العالم

فورين بوليسي: روسيا تربك حلف الناتو

وكتب فرانز ستيفان غادي، زميل أول في مجال القوة السيبرانية والصراع المستقبلي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في مجلة “فورين بوليسي” أنه في أوروبا، لا يمر أسبوع من دون تحذير صارخ آخر بشأن الاحتمال المتزايد لهجوم روسي على دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وبخاصة إذا خسرت أوكرانيا الحرب.


تعززت هذه المخاوف بعدما قال المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب أمام تجمع انتخابي إنه سوف “يشجع” الروس على “فعل ما يريدونه” تجاه أي عضو أوروبي في الناتو لا ينفق ما يكفي على الدفاع.


السؤال الأساسي

وعادة ما كانت هذه التصريحات المحذرة من النوايا الروسية مصحوبة بعدد من التقديرات حول مدى السرعة التي يمكن بها لروسيا تجديد القوات والمعدات التي فقدتها في أوكرانيا من أجل مهاجمة إحدى دول الناتو.


ويعتقد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن هذا الأمر سيستغرق “من 5 إلى 8 سنوات”، في حين قدّر رئيس الاستخبارات العسكرية الإستونية المنتهية ولايته أن روسيا قد تكون مستعدة للحرب مرة أخرى في غضون 4 سنوات.


وتعتقد وكالة الأمن القومي البولندية أن روسيا يمكن أن تهاجم الناتو بعد ثلاث سنوات من الآن.


وتهدف هذه التصريحات العامة إلى تحفيز أوروبا على التحرك عندما يتعلق الأمر بقدرة القارة العجوز على الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان عسكري في المستقبل ودعم الردع.


وتركت هذه التصريحات تأثيراً، على سبيل المثال، يفضل أكثر من 80% من الألمان الآن التسلح بعد عقود من إهمال جيشهم.


لكن كل هذه النصائح بشأن الاستعداد لحرب محتملة مع روسيا تثير السؤال التالي وفق الكاتب: ما الذي تستعد له روسيا على وجه التحديد؟ وما الذي تحتاج أوروبا بدورها إلى القيام به حتى تكون مستعدة لمختلف حالات الطوارئ؟


الأولوية القصوى

فيما يتعلق بأي حرب تقليدية مستقبلية مع روسيا، تظل الأولوية القصوى لحلف شمال الأطلسي (ناتو) الدفاع عن دول البلطيق التي تحد روسيا مباشرة: إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.


ويتصور مخططو الحرب في التكتل سيناريوهات مختلفة: يمكن للقوات الروسية أن تجتاح دول البلطيق في غزو واسع النطاق، أو يمكن أن تحتل أجزاء أصغر من الأراضي لاختبار وتقويض استعداد الناتو للدفاع عن دولة حدودية صغيرة ضد روسيا المسلحة نووياً، بخاصة إذا لم يعد من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن أوروبا.


ولجعل التخطيط أكثر صعوبة، يمكن أن تتضمن حملة روسية أي مزيج من الهجمات التقليدية، والتهديدات النووية لردع الناتو عن مساعدة الدولة المهاجَمة، والإجراءات غير التقليدية مثل الهجمات الإلكترونية والتضليل في مختلف أعضاء الناتو من أجل إضعاف عزم التحالف. 


وفي سياق احتلال دول البلطيق، فكر المخططون العسكريون في الناتو بكيفية قيام روسيا بمهاجمة أو احتلال فجوة سوفالكي، وهي ممر جغرافي على طول الحدود الليتوانية-البولندية يمتد نحو 100 كيلومتر بين بيلاروسيا وجيب كالينينغراد الروسي على الحدود مع بحر البلطيق. وفي حالة نشوب حرب، يمكن للقوات الروسية احتلال هذا الامتداد من الأرض، مما يؤدي إلى عزل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا عن بقية أعضاء الناتو.


ومن الممكن دعم مثل هذا التحرك العسكري التقليدي من خلال “تدابير نشطة” من شأنها إثارة المشاكل بين ذوي الأصول الروسية في منطقة البلطيق، وهو ما يزيد من إضعاف موقف الناتو في المنطقة.


قد تدمر صدقيته إلى الأبد

وفق الكاتب، إن الافتراض المعياري في هذه السيناريوهات هو عزم موسكو اختبار تماسك الناتو وعزيمته عبر وجه من أوجه استراتيجية “التصعيد لخفض التصعيد”، فتضع التحالف أمام أمر واقع قبل أن تجبر التكتل على التراجع في مواجهة تهديدات نووية.


وإذا أذعن الناتو فستتدمر صدقيته إلى الأبد. يمكن أن يشمل هذا السيناريو الاستخدام الروسي المبكر في ساحة المعركة لأسلحة نووية تكتيكية منخفضة التأثير لإجبار الناتو على إنهاء الأعمال العدائية.

وإلى هذه المجموعة المتنوعة من السيناريوهات التقليدية والنووية والهجينة، يضاف عدم اليقين بشأن نتائج الحرب الروسية-الأوكرانية، والأسئلة حول حجم تعزيز موسكو دفاعها وقدرتها على إعادة التسلح والارتباك المستمر في الغرب حول موازنات الدفاع وحجم القوة والتزام واشنطن المستقبلي بالتحالف.


تصوّرات أطلسيّة متضاربة

سيتطلب كل من هذه السيناريوهات قدرات عسكرية وغير عسكرية مختلفة وأحجام قوى مختلفة على الجانبين الروسي والأطلسي.


وما يزيد من تعقيد تخطيط الناتو أن الدول الأعضاء الفردية تقيّم التهديد الروسي بشكل مختلف، بالاعتماد على عوامل مثل القرب الجغرافي وقدراتها العسكرية.


بالنسبة إلى روسيا، سيكون أسهل بكثير إعادة بناء القوة العسكرية الكافية للهيمنة الساحقة على دول البلطيق ذات القدرات العسكرية الضئيلة، بالمقارنة مع حملة برية طويلة ضد القوات البولندية في بولندا، وربما بمساعدة من ألمانيا، للاستيلاء على فجوة سوفالكي والدفاع عنها.

إن متطلبات الدفاع ضد الحرب الهجينة تختلف تماماً عن تلك اللازمة لمواجهة التوغلات المسلحة الواسعة النطاق في أراضي الناتو، تشكل كلتاهما مصدر قلق كبير لدول البلطيق وبولندا، بالرغم من أن الدول التي لا تتاخم روسيا بشكل مباشر تشعر بالقلق بشأن الحرب الهجينة أكثر من قلقها من الغزو الفعلي.


ويساعد تركيز برلين على التهديدات الهجينة في تفسير الوتيرة البطيئة التي يتم بها إعادة تشكيل القوات العسكرية التقليدية الألمانية، فبعد مرور عامين على الحرب الروسية الألمانية، لا تزال ألمانيا تجد صعوبة في نشر لواء واحد جاهز للقتال في ليتوانيا بحلول سنة 2027.


تخطيطهم يصطدم بعقبات

مع الاختلاف الشديد في السيناريوهات وتصورات التهديد على امتداد حلف شمال الأطلسي، من الصعب على التكتل التوصل إلى جدول زمني مشترك وواقعي للوقت الذي قد تكون القوات الروسية مستعدة لتشكيل تهديد خارج نطاق أوكرانيا.


والأهم من ذلك بالنسبة إلى التخطيط الدفاعي الغربي، أنه لا يزال من غير الواضح متى ستتوقف العمليات القتالية الكبرى لروسيا في أوكرانيا وما هي الخسائر في القوى البشرية والمعدات التي ستتكبدها روسيا بحلول ذلك الوقت.


وتشمل أسئلة أخرى ما يمكن لروسيا إعادة بنائه وتشكيله؟ وما يمكنها تمويله بالنظر إلى حجم اقتصادها؟ وما هي التقنيات التي يمكنها الوصول إليها؟ وما إذا كان بإمكانها توليد الموارد البشرية اللازمة في كل من صناعة الدفاع والجيش نفسه؟ حول كل هذه النقاط، ثمة مناقشات قوية بين المحللين الغربيين ومجتمعات الاستخبارات. 



بالاستناد إلى تصريحات موسكو العامة، من المرجح أنها تهدف إلى تكوين جيش أكبر بكثير مما كان لديها قبل سنة 2022.


وفي الوقت نفسه، لم تكشف عن برنامج جديد لإنتاج وشراء الأسلحة مدته 10 سنوات لدعم هذه القوة الأكبر.


ووفق بعض المحللين، من غير المرجح أن يشكل التمويل عائقاً على المدى القريب، لكن روسيا ستجد صعوبة بالغة في توليد الموارد البشرية اللازمة بسبب نقص العمال الماهرين وتقلص القوى العاملة بشكل عام، وقد يكون من الصعب أيضاً توسيع صناعة الدفاع بشكل كبير بسبب النقص المزمن في الاستثمار، فضلاً عن الصعوبات في الحصول على مكونات مختلفة بكميات كافية.


خطأ فادح

لكن هذا لا يقول الكثير عن نوايا روسيا الحقيقية في المستقبل وأساليب القتال التي قد تختارها لتحقيق هذه النوايا، وما إذا كانت سيناريوهات البلطيق التي ناقشها مخططو الناتو تمثل انعكاساً واقعياً للنوايا والقدرات الروسية هو سؤال مفتوح.

بالرغم من هذه الشكوك، تابع غادي، سيكون خطأ فادحاً التقليل من تقدير القوة العسكرية الروسية، لا ينبغي للناتو أن يتخذ من الأداء الضعيف للجيش الروسي في أوكرانيا سبباً للشعور بالرضا عن النفس، فقد أثبت الجيش الروسي قدرته على البقاء في ميدان عسكري معاكس في أوكرانيا، وأظهر استعداده لتحمل خسائر فادحة واحتفظ بالقدرة على استنزاف القوات الأوكرانية والمضي قدماً في الهجوم، بالتالي، حتى لو قرر مخططو الناتو أن الحرب الخاطفة الروسية ضد دول البلطيق ليست سوى سيناريو منخفض الاحتمال، من الخطأ الاستهانة بروسيا في السنوات المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى