منوعات-384

إمرأة مصرية تحمل مشعلا لإرشاد السفن وكتابا أصبحت رمزا لاستقلال أمريكا وحرية العالم

  في مثل هذا اليوم 28 أكتوبر عام 1886 افتتحت الولايات المتحدة الأمريكية تمثال الحرية و قام الرئيس الأمريكي جروفر كليفلاند بتدشين التمثال وهو عمل فني نحتي قامت فرنسا بإهدائه إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل ذلك التاريخ بأكثر من عام كهدية تذكارية، بهدف توثيق الصداقة بين البلدين بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الأمريكية (1775-1783).


تمثال الحرية مستوحي من إمرأة مصرية طبقا لمؤسسة  "سميثسونيان"، التي تدير عددا من المتاحف في واشنطن ، أكدت أن المهندس الفرنسي فريدريك أوغست بارتولدي الذي صمم تمثال الحرية ، زار مصر في العامين 1855 و1856، وهناك نشأ لديه شغف بالمعالم العامة والمنشآت الضخمة .

حين أطلقت السلطات المصرية عرضا في العام 1869 لتشييد منارة على قناة السويس، اقترح بارتولدي تصميما على شكل امرأة تحمل مشعلا لإرشاد السفن وكتابا في يدها الاخري، في إشارة إلى "مصر التي حملت النور إلى العالم ".

 

 
استوحى المهندس الفرنسي فكرته من "إمرأة مصرية ترتدي جلبابا وفوق رأسها تاج يشير إلي قارات العالم "، بحسب ما يقول باري مروينو الذي ألف كتبا عدة عن تمثال الحرية، مستندا في استنتاجه هذا إلى مخطوطات قديمة لتصاميم المهندس، وهو الأمر الذي أكده أيضا إدوارد بيرينسون، وهو مؤلف كتاب عن تمثال الحرية نشرته جامعة "يال" الأمريكية عام 2012، وقال أن التمثال مستوحي من إمرأة مصرية تدرجت إلي ما يشبه الألهة الأسطورية .

 لم يفلح المهندس في إقناع مصر بتصميمه ووضعه عند مدخل قناة السويس لأسباب ربما تتعلق بالنفقات قيل أن الخديوي إسماعيل اعتذر عن قبول اقتراح بارتولدي نظرا للتكاليف الباهظة التي يتطلبها هذا المشروع، حيث لم يكن لدى مصر السيولة اللازمة لمثل هذا المشروع خاصة بعد تكاليف حفر القناة  وبعدها بسنوات تم اهداء التمثال من فرنسا إلي امريكا .

منذ ذلك الحين استقر التمثال بموقعه المطل على خليج نيويورك بولاية نيويورك الأمريكية ليكون في استقبال كل زائري البلاد سواء كانوا سائحين أو مهاجرين. قام بتصميمه فريدريك بارتولدي بينما صمم هيكله الإنشائي غوستاف إيفل.

 
يستقر التمثال علي جزيرة الحرية الواقعة في خليج نيويورك؛ حيث يبعد مسافة 600 مترا عن مدينة جيرسي بولاية نيوجيرسي و2.5 كيلومترا إلي الجنوب الغربي من مانهاتن، بمساحة إجمالية تقدر بـ 49,000 متر مربع (12 أكرا).

تم تعديل رمزية التمثال بشكل طفيف ليشير إلى إمرأة حرة تحمل في يدها اليمني مشعلا يرمز إلي الحرية بدلا من رمزية ارشاد السفن ، بينما تحمل في يدها اليسري كتابا  نقش عليه بأحرف رومانية جملة "4 يوليو 1776"، وهو تاريخ إعلان الاستقلال الأمريكي، أما علي رأسها فهي ترتدي تاجا يرمز إلي قارات العالم .
 
يرتكز التمثال على قاعدة أسمنتية-جرانيتية يبلغ عرضها 47 مترا (154 قدم)، ويبلغ طوله من القدم إلي أعلى المشعل 46 مترا (151 قدم)، بينما يبلغ الطول الكلي بالقاعدة 93 متراً (305 قدم). ويتكون من ألواح نحاسية بسمك 2.5 مم (0.01 إنش) مثبتة إلى الهيكل الحديدي، ويزن إجمالياً 125 طنا.
يحيط بالتمثال ككل حائط ذو شكل نجمي (نجمة ذات 10 رؤوس)، وقد تم بناؤه في عام 1812 كجزء من حصن وود والذي استخدم للدفاع عن مدينة نيويورك أثناء الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865).

 
في عام 1869 قام فريدريك بارتولدي بتصميم نموذج مُصغر لمنارة على شكل مصرية تلبس الثوب الطويل ترفع يدها حاملة شعلة يخرج منها ضوء لإرشاد السفن، وتحمل شعار "ُ"مصر تحمل الضوء لأسيا".
كانت اشعة الشمس على الرأس مستوحاة أيضا من عملة مصرية تاريخية تظهر بطليموس الثالث الحاكم الثالث من البطالمة في مصر.

بدأت الاستعدادات علي قدم وساق، حيث تم الاتفاق على أن يتولى الفرنسيون تصميم التمثال بينما يتولي الأمريكيون تصميم القاعدة التي سوف يستقر عليها. من أجل ذلك، بدأت حملة ضخمة في كل من البلدين لإيجاد التمويل اللازم لمثل هذا المشروع الضخم؛ ففي فرنسا كانت الضرائب ووسائل الترفيه التي يستخدمها المواطنون وكذلك اليانصيب هي الوسائل التي استطاعت من خلالها فرنسا توفير مبلغ 2,250,000 فرنك لتمويل التصميم والشحن إلى الولايات المتحدة.
 
 
 
على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي كانت المعارض الفنية والمسرحية وسيلة الأمريكيين لتوفير الأموال لبناء قاعدة التمثال، وكان يقود هذه الحملة السيناتور وعمدة نيويورك ويليام إيفارتز الذي أصبح وزير الخارجية الأمريكي فيما بعد – غير أن هذا لم يكن كافياً، مما حدى بـ جوزيف بوليتزر صاحب جائزة بوليتزر فيما بعد أشهر جوائز الصحافة  – أن يقوم بحملة من خلال الجريدة التي كان يصدرها تحت اسم العالم  ثم لاحقاً تم اختيار موقع المشروع علي جزيرة الحرية التي كانت تعرف حينها باسم جزيرة بدلو  حتي عام 1956.
من ضمن هذه الجهود أيضاً ما قامت به الشاعرة الأمريكية إيما لازاروس ، حيث قامت بتأليف قصيدة تسمي قصيدة التمثال الجديد في 2 نوفمبر 1883، على أن هذه القصيدة لم تصبح مشهورة إلا بعد ذلك بسنوات .
هكذا، توفرت الأموال اللازمة، وقام المعماري الأميريكي ريتشارد موريس هنت  بتصميم القاعدة وانتهى منها في أغسطس من العام 1885 ليتم وضع حجر الأساس في الخامس من هذا نفس الشهر.
 
 
 
بعدها بعام اكتملت أعمال البناء في 22 إبريل 1886، أما عن الهيكل الإنشائي، فكان يعمل عليه المهندس الفرنسي يوجيني لو دوك لكنه توفي قبل الانتهاء من التصميم، فتم تكليف غوستاف إيفل ليقوم بإكمال ذلك العمل. وبالفعل قام إيفل بتصميم الهيكل المعدني بحيث يتكون من إطار رئيسي للتمثال يتم تثبيته في إطار ثاني في القاعدة لضمان ثبات التمثال.
انتهت أعمال تصميم التمثال في فرنسا مبكرا في يوليو عام 1884 فتم شحن التمثال على الباخرة الفرنسية إيزري ، حيث وصلت إلى ميناء نيويورك في 17 يونيو 1885. وتم تفكيك التمثال إلي 350 قطعة وضعت في 214 صندوق لتخزينها لحين انتهاء أعمال بناء القاعدة التي سيوضع عليها والتي انتهت في وقت لاحق لوصول التمثال كما اشرنا في السطور السابقة .
هكذا في 28 أكتوبر 1886 – أي بعد انتهاء اكتمال بناء قاعدة التمثال بـ 6 أشهر – قام الرئيس الأمريكي جروفر كليفلاند بافتتاح التمثال في احتفال كبير.

 
في عام 1903 تم وضع لوحة تذكارية من البرونز علي حائط قاعدة البرج الداخلية مكتوبا عليها كلمات الشاعرة الأميريكية إيما لازاروس  بعد 20 عاما من كتابتها في 1883.
في عام 1916 – في إطار الحرب العالمية الأولى – وقع انفجار في مدينة جيرسي ألحق أضرارا بالتمثال بلغت قيمتها 100,000  دولار أمريكي .
في 15 أكتوبر 1924 تم إعلان التمثال والجزيرة كأثر قومي، وتقوم بإدارتها إدارة الحدائق الوطنية وهي تـُعتبر الجهة الفيدرالية المنوط بها إدارة المناطق الآثرية في جميع أنحاء الولايات.

 
أما في عام 1984، فقد إنضم التمثال إلي قائمة مواقع التراث العالمي التي تقوم بتصنيفها اليونسكو.في 28 أكتوبر 1936 مثل اليوبيل الذهبي لإنشاء التمثال، لذلك قام الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بإعادة إهداء التمثال والاعتراف بفضله علي الأمة الأمريكية.
بعدها بسنتين في عام 1986 واستعدادا للاحتفال بمئوية التمثال، فقد تم عمل ترميم شامل له وتم تركيب طبقة ذهبية جديدة للمشعل تتلألأ عليها أضواء مدينة نيويورك ليلا.

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، قامت السلطات الأمريكية بإغلاق التمثال والمتحف والجزيرة أمام الجمهور لمراجعة الإجراءات الأمنية وتطويرها، ثم أعيد افتتاح الجزء الخارجي في 20 ديسمبر 2001 و ظلت باقي الأجزاء مغلقة حتي تم افتتاح القاعدة مرة أخرى للجمهور في 3 أغسطس 2004 .
 
يزور تمثال الحرية في أمريكا نحو 3 ملايين زائر سنويا وهناك مئات من تماثيل الحرية تم نصبها في أرجاء العالم، أشهرها تلك الموجودة في باريس، النمسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، الصين، وفيتنام.
 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 





 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى