اخبار-433

إيميل سيلانبا الحائز علي نوبل الاداب ..رحلة الأديب الفنلندي مع الحياة والشمس

كتب: حسام خليل

 وُلد الكاتب الفنلندي فرانس إيميل سيلانبا ( 1888_ 1964) لأبوَيْن مُزارعَيْن . وعلى الرغم من الفقر المدقع الذي كانت تعيش فيه عائلته ، إلا أنه عاش طفولة سعيدة، كما تَمَكَّنت عائلته من إرساله إلى المدرسة . وفي عام 1908 ، بدأ يدرس العلوم الطبيعية في جامعة هِلسنكي ، وهذا الأمر أثَّرَ بشكل واضح على أفكاره وأحلامه وعوالم الكتابة في ذِهنه ، كما أنَّه غيَّر نظرته إلى الحياة والكَون،وجعله يَتعاطف مع الفقراء والمسحوقين والمنبوذين في المجتمع. وقد ترك الدراسة في عام 1913قبل تخرجه بسبب مشكلاته الأسرية، وتكالب الأمراض عَلَيه ، وكثرة دُيونه ، وعدم استطاعته التَّكيف مع حياة المدينة . لقد كانت المدينةُ وحشاً يُطارده ، وكابوساً يُسيطر عَلَيه ، ويَقضي على أحلامه ، ويُدمِّر مشاعره ، فقد رأى فيها وحشية النظام الاستهلاكي المادي ، حيث تَغيب الأحاسيس الدافئة بين الناس، وتبرز المصالح الشخصية، والحياة العملية الخالية من العواطف.

 
عاد سيلانبا إلى الريف الذي نشأ فيه ، بعد اكتسابه العِلم والمعرفة ، واتِّساع آفاقه ، واطِّلاعه على مؤلفات كبار الأدباء الإسكندنافيين والعالميين الذين أثَّروا فِيه بشكل واضح ، وغيَّروا كثيراً من أفكاره ، وساهموا في إعادة تشكيل نظام حياته . ثم تزوج ، وعمل لفترة قصيرة في دار نشر قريبة من العاصمة هِلسنكي . ساهمت حياة الريف في استعادة صحته وتوازنه النفسي ، وبدأ الكتابة عن هذه البيئة التي أحبَّها وعرفها جيداً ، وخالط أهلها ، وأدركَ أحزانهم وأفراحهم ، واطَّلع على أحلامهم وخَيباتهم.وفي عام 1916 صدرت له أول رواية بعنوان( الحياة والشمس ). وهي قصة حب عادية في ليالي الصيف ضمن البيئة الفنلندية ، كما أنها تبحث عن دَور الإنسان في هذا الوجود ، وعلاقته بعناصر الطبيعة ، ووظيفته المركزية في الكَون .
 
شَكَّلت الحرب الأهلية الفنلندية( 1918) صدمةً هائلة بالنسبة للكاتب، وحَطَّمت معنوياته، وهشَّمت أحاسيسه ، وأفقدته الثقة بنفْسه ، وبَدَّلت نظرته إلى عناصر الوجود ، فصارَ يَعتبر الحياة الجائرة نَوعاً مِن العبث والوهم والأحلام الضائعة . وهذه الأفكار صارت المبادئ الأساسية في رواياته اللاحقة . ففي رواية ” الإرث المتواضع ” ( 1919) ، يموت البطل في الحرب بين الأطراف المتناحرة، معَ أنَّه واقف على الحياد، ولم يشارك في الحرب، وليس له أية علاقة بالأطراف المتناحرة. وهذه الفلسفة تَنبع من النظرة القدرية للكاتب ، حيث الإنسان مَحكوم بحتمية القَدَر ، ولا يَملِك أن يُغيِّر شَيئاً في حياته ، لأنه لا يَتحكم بمساره ومصيره . فالأمرُ مَفروضٌ على الإنسان الذي ليس له ناقة ولا جَمل في حياته. وهذه النظرة التي تُكرِّس عَجز الإنسان ، وعدم قُدرته على رسم حياته، إنما هي نزعة تشاؤمية تُجرِّد الإنسان مِن قُدرته على التغيير ، وقد جاءت هذه النَّزعةُ كردة فِعل نابعة من صدمة الحرب الأهلية بين أبناء البلد الواحد.وفي زمن الصراعات والحروب ، يَفقد الكثير من الناس قيمة اليقين ، وتُصبح المسلَّمات في موضع الشك والتساؤل والتشاؤم ، نتيجة القلق ، وكثرة القتل ، وانهيار الحياة الإنسانية ، وانتشار الخراب ، وسقوط مُنجزات الحضارة .
     
نشر سيلانبا الكثير من الأعمال الأدبية ، من أبرزها رواية ” النوم في الشباب ” ( 1931) التي تتحدث عن خادمة يتيمة مُفعمة بالحياة والحيوية ، إلا أن حياتها تنتهي بشكل مأساوي بعد إصابتها بمرض السُّل. أمَّا في روايته” طريق رَجل ” ( 1932)، فقد رَكَّزَ على مراحل تطور شاب فلاح ، وأظهرَ أهمية العلاقة العُضوية بين الإنسان والطبيعة ، وبين الفلاح وأرضه .
     
وفي عام 1934، قَدَّمَ الكاتبُ أفضلَ مؤلفاته على الإطلاق، وهي رواية ” ناس ليالي الصيف”، المكتوبة بلغة وصفية وغنائية شديدة الدِّقة . وفي هذه الرواية ، تتجلى النظرة الحتمية إلى الإنسان والكون ، حيث القَدر المحتوم ، والأحاسيس الدافئة ، والحياة المفعمة بالعواطف ، والشخصيات البسيطة والمعقَّدة ، وتفاصيل الحياة الصغيرة ، والقضايا الوجودية الكُبرى .
     
وعُموماً، يُصوِّر الكاتب في أعماله الأدبية سُكان الريف الذين يعيشون مُتَّحدين مع الأرض ، رافضين التَّخلي عنها ، ويكشف عن واقعهم المأساوي ، ويُبرِز حياة البؤس التي يَعيشونها . ودائماً، شخصياته تأتي من الطبقات المتدنية في المجتمع ، حيث تتكرَّس المعاناة الحقيقية في سبيل تَوفير لُقمة العَيش ، وينتشر الظلم والاضطهاد والحقد الاجتماعي والتفاوت الطبقي. وتُواجه الشخصيات مصيرها المحتوم بكثير من السلبية أو اللامُبالاة الهادئة، بَحثاً عن الأمل الكاذب، أو الراحة النفسية الوهمية ، أو لحظات السعادة العابرة .
     
في عام 1939 ، حصل على جائزة نوبل للآداب  لفهمه العميق لحياة الفلاحين في بلاده ، وتصوير مشاعرهم وأحلامهم ، وطريقتهم في الحياة ، وعلاقتهم العُضوية معَ الطبيعة  "حسب ما جاء في موقع جائزة نوبل "، ليكون بذلك أول كاتب فنلندي يحصل على هذه الجائزة العالمية.وفي عام 1941، طَلَّقَ سيلانبا زوجته ، وعانى من مشكلات صحية ناتجة عن إدمان الكحول، لكنه عاد في عام 1943 إلى الحياة العامة ، وصارَ يُلقي أحاديث في الإذاعة ، أحدثت صَدىً هائلاً بين المستمعين ، ولاقت شعبية كبيرة .
 مِن أبرز رواياته: الحياة والشمس ( 1916) . أحب بلدي ( 1919) . اعتراف  ( 1928). النوم في الشباب( 1931). طريق رَجل ( 1932). ناس ليالي الصيف ( 1934).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى