شعر

ابن الرومي.. شاعر الابداع الذي قتله لسانه

كتب: حسام خليل
أبو الحسن علي بن العباس بن جريج وكنيته ابن الرومي نسبة لأبيه، ولد ببغداد عام 221هـ – 836م، وبها نشأ، كان مسلماً موالياً للعباسيين، ومما قاله في الفخر بقومه:
قوْمي بنو العباسِ حلمُهمُ حِلْمي هَواك وجهلُهُم جهلي 
نَبْلي نِبالُهُمُ إذا نزلتْ بي شدةٌ ونِبالُهم نَبلي
لا أبتغي أبداً بهم بدلاً لفَّ الإلهُ بشملهم شملي
اخذ ابن الرومي العلم عن محمد بن حبيب، وعكف على نظم الشعر مبكراً، وقد تعرض على مدار حياته للكثير من الكوارث والنكبات والتي توالت عليه غير مانحة إياه فرصة للتفاؤل، فجاءت أشعاره انعكاساً لما مر به، وإذا نظرنا إلى تاريخ المآسي الذي مر به نجد انه ورث عن والده أملاكاً كثيرة أضاع جزء كبير منها بإسرافه ولهوه، أما الجزء الباقي فدمرته الكوارث حيث احترقت ضيعته، وغصبت داره، وأتى الجراد على زرعه، وجاء الموت ليفرط عقد عائلته واحداً تلو الآخر، فبعد وفاة والده، توفيت والدته ثم أخوه الأكبر وخالته، وبعد أن تزوج توفيت زوجته وأولاده الثلاثة.
ولعل هذه الأحداث قد شكلت طبعه وأخلاقه فقد مال إلى التشاؤم والانغلاق، وأصبحت حياته مضطربة، وأصبح هو غريب الأطوار خاضع للوهم والخوف، يتوقع السوء دائماً، فقام الناس بالسخرية منه والابتعاد عنه واضطهاده، ومن جانبه نقم على مجتمعه وحياته فأتجه إلى هجاء كل شخص وكل شيء يضايقه أو يسيء إليه.
نشاهد في نفسيته نقمة علی المجتمع الَّذي عاش فيه ويعبّر عنها بقصائده «فقد رأی غيره من الشعراء والأدباء و الناس، ممّن لايتحلون بأية فضيلة، يحصلون علی المکانة العالية،والأموال الوفيرة، و الشهرة الواسعة، بينما يری نفسه،وهو الشاعر المجيد،لا تقدر مواهبه و هو يمنع عن أي منصب مرموق،ويحرم من التقرب إلی أصحاب المراتب العليا وکان ابن الرومي  في کلَّ يوم _يتأکدله،أن عصره کان عصر إختلال وتفرّق،لايحقق الإنسان فيه مراده بقدرته وکفاءته،أوبإحتياله عليهم،وإتخاذ لسانه أداة تملّق يظهر عکس ما يبطن، تحقيقاً لمصالحه وضافعه فثار علی المجتمع المشبع بالنفاق والخديعة،وقام يشکو اختلال الزمان.لقد أشار ابن الرومي إلی انهيار القيم الحضارية والإنسانية في عصره،وسقوط المثل العليا بين أبناء وطنه فمراد ابن ارومي أن يسمو الإنسان بعلمه وعقله و فکره، وليس بمکره واحتياله ويوضع ذلک بنقمة لازعة ولسان شديد الوطأة.». 
هناک آراء مختلفة لعلم النفس تظهر لنا بعض الخصائص النفسیة کما يستفيد منها خليل شرف الدين في کتابه من آراء البرفسور أدلر واضع علم النفس الفردي الذی یقول في سياق حديثه عن قانون التعويض: «إنَّ شعور الإنسان بأنَّه دون غيره الذي يسمی "بالدونية"من أعظم الدوافع إلی العمل وبذل الجهل ،وإنَّ الغريزة المسلطة هي السيطرة والتطلع إلی العلو و عندما يعجز الشخص عن اثبات ذاته، واکتساب النفوذ الاجتماعي الَّذي يصبو إليه، نظر لعيوبه الجسمانية خاصة القامة، أو قبح الهيئة، أو أية عاهة من إحديداب أوضعف في النظر، أو عي في اللسان… الخ فأنه يلجا إلی سبل مختلفة من" التعويض" قد تؤدي به أحياناً إلی التفوق والتيام بأعمال جلية،و أحياناً أخری إلی أن يصطنع في سلوکه أسلوباً شاذاً کالقسوة والاستبداد في ضعف البنية،أو المکر في قصار القامة مثلاً.»

عاصر ابن الرومي عصور ثمانية من الخلفاء العباسيين، وكان معظمهم يرفضون مديحه ويردون إليه قصائده، ويمتنعون عن بذل العطايا له، مما قاله في ذلك:
قد بُلينا في دهرنا بملوكٍ أدباءٍ عَلِمْتُهمْ شعراءِ
إن أجدنا في مدحِهم حسدونا فحُرِمنا منهُمْ ثوابَ الثناءِ
أو أسأنا في مَدْحهم أنَّبونا وهَجَوْا شعرَنا أشدَّ هجاءِ
قد أقاموا نفوسَهم لذوي المدْحِ مُقامَ الأندادِ والنظراءِ
تميز ابن الرومي بصدق إحساسه، فأبتعد عن المراءاة والتلفيق، وعمل على مزج الفخر بالمدح، وفي مدحه أكثر من الشكوى والأنين وعمل على مشاركة السامع له في مصائبه، وتذكيره بالألم والموت، كما كان حاد المزاج، ومن أكثر شعراء عصره قدرة على الوصف وابلغهم هجاء، أبحر في دروب الشعر المختلفة، فجاءت أشعاره مبدعة في الحركة والتشخيص والوصف، واعتنى بالموسيقى والقافية.
عرف ابن الرومي بإجادته الكثير من الأشكال الشعرية والتي جاء على رأسها الهجاء، فكان هجاؤه للأفراد قاسي يقدم الشخص الذي يقوم بهجاؤه في صورة كاريكاتورية ساخرة مثيرة للضحك. قال عنه المرزباني "لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه ولذلك قلت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء".
قال في وصف البحتري:
البُحْتُريُّ ذَنُوبُ الوجهِ نعرفُهُ وما رأينا ذَنُوبَ الوجه ذا أدبِ أَنَّى يقولُ من الأقوال أَثْقَبَهَا من راح يحملُ وجهاً سابغَ الذَنَبِ أوْلى بِمَنْ عظمتْ في الناس لحيتُهُ من نِحلة الشعر أن يُدْعَى أبا العجبِ وحسبُه من حِباءِ القوم أن يهبوا له قفاهُ إذا ما مَرَّ بالعُصَبِ ما كنت أحسِبُ مكسوَّاً كَلحيته يُعفَى من القَفْدِ أو يُدْعى بلا لقبِ
قام ابن الرومي بمدح أبي القاسم الشطرنجي، والقاسم بن عبد الله وزير المعتضد، وأجاد ابن الرومي في وصف الطبيعة، وتفوق في هذا عن غيره من الشعراء، وقد تفاعل وجدانياً مع عناصرها وأجوائها، فقام بالتعبير عنها ومن خلالها، وأغرم بها.ومما قاله في وصفها:
ورياضٍ تخايلُ الأرض فيها خُيلاء الفتاة في الأبرادِ ذات وشيْ تناسَجَتْهُ سوارٍ لَبقاتٌ بحْوكِه وغوادِ شكرتْ نعمةَ الوليِّ على الوسْمِيِّ ثم العِهاد بعد العِهادِ فهي تُثني على السماء ثناء طيِّب النشر شائعاً في البلادِ
وجاءت حكمة ابن الرومي كنتيجة منطقية لمسيرة حياته، فقال:
عدوُّكَ من صديقك مستفاد فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ فإن الداءَ أكثرَ ماتراهُ يحولُ من الطعام أو الشرابِ إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
أبدع ابن الرومي في الرثاء وذلك نظراً لما عاناه في حياته من كثرة الآلام والكوارث التي تعرض لها، وكان رثاؤه الذي قاله في ابنه الأوسط يعبر عن مدى الألم والحزن في نفسه، كما له رثاء في "خراب البصرة"، ومما قاله في رثاء أبنه:
أبُنَيّ إنك والعزاءَ معاً بالأمس لُفَّ عليكما كفنُ فإذا تناولتُ العزاءأبى نَيْلِيه أن قد ضمَّه الجُننُ أبُنيّ إن أحزنْ عليك فلي في أن فقدتُك ساعةً حزنُ وإن افتقدت الحُزن مفتقِداً لُبِّي لفقدِك للحَرِي القَمِنُ بل لا إخال شجاك تَعْدَمُه روحٌ ألمَّ بها ولا بَدنُ .
توفي ابن الرومي مسموماً ودفن ببغداد عام 283هـ – 896م، قال العقاد "أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سلمان بن وهب، وزير الإمام المعتضد، كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراش، فأطعمه حلوى مسمومة، وهو في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم، فقال له الوزير: إلي أين تذهب؟ فقال: إلي الموضع الذي بعثتني إليه، فقال له: سلم على والدي، فقال له: ما طريقي إلي النار.
 
 
 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى