الصين وترامب.. صفحة جديدة أم عودة للمواجهة القديمة؟
حسم دونالد ترامب السباق الرئاسي أمس الثلاثاء انتخابات أمريكا 2024 متفوقاً على منافسته كامالا هاريس، ليفتح بذلك صفحة جديدة في العلاقات الأمريكية الصينية، إذ يأتي هذا الفوز في ظل توتر متصاعد بين البلدين بشأن قضايا عديدة، أبرزها مستقبل العلاقات مع تايوان، والقضايا الاقتصادية المختلفة، مما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل التعاون والمنافسة بين واشنطن وبكين خلال السنوات الأربع المقبلة.
ونظرًا للأهمية الاستراتيجية والسياسية لقضية تايوان، ستكون هذه القضية محورًا رئيسيًا للتوتر بين البلدين في ظل رئاسة ترامب الجديدة، خاصة مع تخوفات حلفاء أمريكا في المنطقة من ترددٍ محتمل في الالتزامات الأمنية الأمريكية تجاه الجزيرة.
حذر دبلوماسي وتأهب استراتيجي
سارعت بكين إلى تبني موقف دبلوماسي حذر تجاه نتائج الانتخابات الأمريكية، حيث أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينج أن بلادها تتطلع إلى “التعايش السلمي” مع الولايات المتحدة.
لكن هذا الموقف الدبلوماسي يخفي خلفه استعدادات استراتيجية واسعة النطاق لمواجهة أي تحديات محتملة، فخلال السنوات الأربع الماضية، عملت بكين على تطوير قدراتها الدفاعية والاقتصادية وتنويع تحالفاتها الدولية، مستفيدة من دروس المواجهة السابقة مع إدارة ترامب الأولى.
تحولات جيوسياسية عميقة
يشير المحللون إلى أن المشهد الجيوسياسي اليوم يختلف جذرياً عما كان عليه خلال الولاية الأولى لترامب، إذ عززت الصين علاقاتها مع روسيا بشكل غير مسبوق، وطورت نفوذها في آسيا وأفريقيا من خلال مبادرة الحزام والطريق.
كما نجحت في بناء تحالفات اقتصادية قوية مع دول جنوب شرق آسيا والبرازيل، مما يمنحها هامشاً أوسع للمناورة في مواجهة أي ضغوط أمريكية محتملة.
وفي هذا السياق، يقول تشو بو، العقيد المتقاعد في الجيش الصيني وكبير الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة تسينجهوا: “الصين، من الناحية النفسية والاستراتيجية، أصبحت أكثر استعداداً للتعامل مع ترامب مرة أخرى”.
ويضيف أن بكين استفادت من تجربتها السابقة في بناء آليات دفاعية واقتصادية أكثر مرونة وفعالية.
اختبار حاسم للعلاقات
تبرز قضية تايوان كأحد أهم التحديات التي ستواجه العلاقات الأمريكية الصينية في عهد ترامب الجديد، إذ ان موقف ترامب المتردد تجاه الالتزامات الأمنية الأمريكية في آسيا، وخاصة فيما يتعلق بالدفاع عن تايوان، يثير قلقاً عميقاً لدى حلفاء واشنطن في المنطقة.
وتشير التقارير إلى أن بكين قد تستغل هذا التردد لتعزيز موقفها في بحر الصين الجنوبي وزيادة ضغوطها على تايوان.
سلاح ذو حدين
تدرك القيادة الصينية أن الحرب التجارية المحتملة مع إدارة ترامب الجديدة قد تكون أكثر تعقيداً وخطورة من سابقتها، إذ ان تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على البضائع الصينية يمثل تحدياً خطيراً للاقتصاد الصيني.
لكن بكين أعدت العدة لهذا السيناريو من خلال تطوير أدوات اقتصادية جديدة، بما في ذلك السيطرة على سلاسل التوريد العالمية للمواد الخام الاستراتيجية وتطوير تكنولوجيا محلية متقدمة.
بين المواجهة والتعاون
رغم كل التحديات المتوقعة، يرى خبراء العلاقات الدولية أن الصين والولايات المتحدة محكومتان بضرورات التعاون الاقتصادي والتجاري، إذ ان حجم التبادل التجاري بين البلدين، الذي يصل إلى مئات المليارات من الدولارات سنوياً، يجعل من الصعب على أي طرف الانخراط في مواجهة شاملة.
كما أن وجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يتمتع بعلاقات قوية مع كلا البلدين، قد يساهم في تخفيف حدة التوتر وفتح قنوات للحوار البناء.
يقول هنري وانج هوياو، مؤسس مركز الصين والعولمة في بكين: “ترامب سياسي براجماتي يركز على حل مشاكل محددة، الصين لديها تفوق هائل في السيارات الكهربائية والتكنولوجيا الخضراء، وهناك فرصة هائلة يمكن للشركات الصينية من خلالها المساهمة في جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى.”
عصر جديد من العلاقات المعقدة
مع دخول العلاقات الأمريكية الصينية مرحلة جديدة في ظل رئاسة ترامب الثانية، يبدو أن كلا البلدين يستعد لفترة من المفاوضات الصعبة والتحديات المتبادلة.
لكن الدروس المستفادة من الماضي، والمصالح المشتركة الكبيرة، قد تدفع الطرفين إلى إيجاد أرضية مشتركة للتعاون رغم الخلافات.