كتب

تسع نصائح لإكمال رواية

 هانيا ياناغيهارا


روايتي الثانية "حياة بسيطة" تدور حول جماعة من الرجال في نيويورك وصداقة امتدت بينهم على مدار، وستصدر خلال أيام. ولأن روايتي الأولى "ناس في الأشجار" صدرت في أغسطس 2013 فالناس تسألني ما الذي حدث؟ لماذا استغرق كتابي الأول ستة عشر عاما، والثاني مجرد ثمانية عشر شهرا؟

والإجابة الصادقة (وإن لم تكن مرضية) هي هذه: لا أعرف. (حسن، أنا أعرف جزئيا، أعرف أنّي قضيت أغلب الستة عشر عاما ألهو وأتكاسل). ولكن عدم معرفتي لن تحول بيني وبين مشاركتكم في القواعد التسع التالية لكل من يعمل على مخطوطة ويتساءل هل، ومتى، وكيف ستنشر إن كانت ستنشر.

1 ـ لست بحاجة إلى ماجستير الكتابة الإبداعية لتكتب رواية.

2 ـ النشر ليس سباقا. ليس مهمّا كم يكون عمرك حينما تنشر كتابك. ونشرك مبكرا لن يعني أبدا أن كتابك أفضل أو أسوأ مما هو في الحقيقة. ثم إن هناك مزايا للتأخر في النشر، وبما أني نشرت كتابي الأول وأنا في التاسعة والثلاثين يمكنني أن أقول إن الميزة الحقيقية هي هذه: عندما تنشر وأنت في منتصف العمر، فحقيقة كونك كاتبا منشورا لن تحدِّد هويتك، أو إحساسك بنفسك (بالإيجاب أو بالسلب). فأنت تعرف بالفعل من أنت. وإذا أردت، فسوف تكون شخصا يكتب، بدلا من أن تكون كاتبا، وقد يكون في ذلك حرية لك.

3 ـ لست مضطرا أن تكتب كل يوم لتكون كاتبا. أفضل لك بالطبع أن تكتب كل يوم. لكن "الكتابة" لا تعني دائما أن تجلس إلى الكمبيوتر أو الدفتر، فأصعب أجزاء الكتابة ـ خلق الشخصيات، وملء عالمك بالناس ـ غالبا ما يتم في لحظات تكون فيها مشغولا بأنشطة أخرى (مهام، أكل، مشاوير، مشي، سباحة) لا علاقة لها بالكتابة على الإطلاق.

4 ـ الفارق الوحيد بين الكاتبة الجيدة التي تنشر والكاتبة الجيدة التي لا تنشر هو أن الكاتبة التي تنشر انتهت بالفعل من تأليف كتابها. قبل سنوات، حينما كنت أعمل في مجال نشر الكتب، كان في الدار كاتب متعاقد على كتاب سوف أسميه "إيه". كان ذلك في الزمن الماضي حينما كانت دور النشر تشتري مخطوطات غير مكتملة بعد، وكانت رواية ذلك الكاتب مستلهمة من طفولته، ومحتوية على بعض من أفضل ما قرأت من نثر وأكثره إثارة للمشاعر. وبعد سنين، وكنت قد توقفت عن العمل في مجال النشر، مررت بالدار لمقابلة أحد المحررين هناك. وسألته ماذا حدث لكتاب آيه؟ هزّ المحرر كتفيه وقال لم يكمله. قلت هذا ظلم، إنه أحد أكثر الكتاب الذين عرفتهم موهبة فطرية. هزّ المحرر كتفيه من جديد وقال، لكنه لم يكمل كتابه قط. ولعل ما سأقوله بديهي ولا داعي لقوله من الأساس لكنني سأقوله: لن يقرأ أحد كتابك المنشور ما لم تنته منه أولا.

5 ـ وجود أطفال أو الارتباط بوظيفة ليس مبررا لعدم الانتهاء من الرواية. قد تحتاج سنين أو عقود للانتهاء من الكتاب. ولكن المهم أن تنتهي، لا أن تنتهي بسرعة (راجع النقطة رقم 2)، ومع ذلك …

6 ـ هناك طرق للمساعدة في تحقيق هذا. أعرف ناشرا للكتب قال لي مرة إن نصيحتي للكتّاب المناضلين هي إما أن يكتبوا ألفي كلمة في الأسبوع، أو خمسة آلاف كلمة في الشهر. وإذا أمكنك تحقيق الأمرين، ففي بعض الشهور تكتب ثمانية آلاف كلمة تامة، وفي بعضها خمسة آلاف فقط، فمحتمل في غضون عام أن تكمل مخطوطة معيارية من ثمانين ألف كلمة. وفي هذا اختزال بالطبع، ولكن النظر إلى الرواية في بعض الأحيان بوصفها سلسلة من الأرقام ـ لا سلسلة من الشخصيات والأماكن والثيمات ـ قد يكون باعثا على الارتياح.

7 ـ لا تترك وظيفتك. أولا، للسبب البديهي: النقود. فالنقود ليست ما تتوقعه منها على الإطلاق. لنفترض أن الحظ أسعفك وبعت روايتك، ولنفترض أنك حصلت على مقدم يبلغ خمسين ألف دولار. سيذهب منها إلى وكيلك ما بين 10 و15 في المائة، و20 إلى 40 في المائة للضرائب. والبقية سوف تصلك في أربع دفعات على مدار ما بين 18 و24 شهرا. قد يكفيك هذا لتعيش، ولكنه عيش يقتضي الانضباط، فلم لا توجه هذا الانضباط إلى تأليف الكتاب نفسه (راجع رقم 6). ثم إن المحظوظين منا، ودعكم من المحظوظين للغاية، ممن سيجدون ناشرا، لن يتمكنوا قط من العيش من عوائد الكتابة. طبعا هناك كثير من المحفزات، ولكن النقود ليست من بينها دائما.

الاعتبارات التالية للنقود هي هذه: لا ينبغي أن يميل أحد إلى أن يكون معتمدا على دخل الكتابة في حياته. فمن شأن ذلك أن يغيّرك، أن يغيّر عملك، والقرارات التي تتخذها فيه، والإيقاع الذي تشعر أنه ضروري لإنتاجه. ولقد قالت لي محررة روائية، وكاتبة روائية أيضا، ذات مرة "إذا لم تكوني معتمدة على دخل الكتابة فسيكون بوسعك أن تساومي، وكلنا نساوم، لكنك لن تكوني مضطرة للتنازل". كانت تعرف معنى كتابة الرواية من منظور الروائية والمحررة معا. وكانت محقة في ما قالته. 

ولكنني أذهب أيضا إلى أن أحد الأسباب الأساسية للاحتفاظ بوظيفتك النهارية سبب لا علاقة له بالمال. الكتابة بطبيعتها عمل داخلي. ومن ثم فالاضطرار إلى التواجد وسط الناس فضيلة عظيمة للروائي. ستتذكر بصفة يومية كيف يفكر الناس، وكيف يتكلمون، وكيف يعيشون، سترى ما يقلقهم، وما يرجونه، وما يخشونه. طبعا يمكنك أن تتخيل كل هذا إذا لم تكن لديك وظيفة. ولكن مكتبك ـ سواء كان حقيقيا أم غير ذلك ـ يقدم لك كل يوم حصة من الواقع. يخرجك من عالم كتابك، وهذه رحلة مفيدة، بل ضرورية.

8 ـ لاحظ من المهتم فعلا بمناقشة كتابتك ومن الذي يسأل من قبيل التهذب. الاستماع إلى الكتّاب وهم يتكلمون عن عملهم يكون في كثير من الحالات أمرا في غاية الإملال. ولكن هذه ليست مجرد مسألة إيتيكيت: فالاهتمام المتواصل والشديد بمخطوطتك قد يحوّلك إلى شخص مستغرق في ذاته. وأغلب أصحابك وأهلك وزملائك ومعارفك لا يريدون الاستماع إلى المصاعب التي تواجهها في التقدم في روايتك، ولك أنت أن تختار احترام ذلك من عدمه.

9 ـ ما من طريقة وحيدة لكتابة كتاب. أعني: قد ترى أن تتجاهل كل ما كتبته هنا. قد تشترك في مجموعة كتابية، أو أن يكون لك قارئ واحد، أو لا حد على الإطلاق. قد تكتب في نوبات تستمر الواحدة لأيام، أو لربع ساعة كلما أمكن، أو في الإجازات الأسبوعية أو بعد الانتهاء من العمل اليومي. قد ينفعك أن تتابع الكتّاب على تويتر، أو تقرر البعد تماما عن مواقع التواصل الاجتماعي. إننا ننظر إلى تأليف الكتاب بوصفه عملية، ولكن كلمة العملية هذه تعني أن هناك نمطا يتَّبع أو خريطة هادية. ولو كان ذلك صحيحا، لظهر نموذج في السوق ولاشتريناه جميعا. ولكن في حقيقة الأمر ليس هناك إلا التخمينات، وتجارب شخصية ممن سبقوا إلى النجاح، وقد يكون اتباع مسارهم ناجحا مرة أخرى، وقد لا يكون بالإمكان العثور على ذلك المسار من جديد. ويبقى بوسعنا دائما أن نتشبث في الرجاء.





 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى