داوود عبد السيد.. رحلة استثنائية في تاريخ السينما المصرية
حسام خليل
فقدت السينما المصرية أحد أبرز مخرجيها، بوفاة المخرج الكبير داوود عبد السيد، الذي يُعد واحدًا من أهم صُنّاع السينما الفكرية والإنسانية في العالم العربي، وصاحب بصمة خاصة لا تشبه سواه، تركت أثرًا عميقًا في وجدان الجمهور والنقاد على حد سواء.
مشوار فني مميز وبداية مختلفة
وُلد داوود عبد السيد 23 نوفمبر 1946، والتحق بـالمعهد العالي للسينما وتخرج منه عام 1967، وهو ما جعله جزءًا من جيل الهزيمة الذي تأثرت رؤيته الفنية بشدة بنكسة 1967، مما دفعهم للتمرد على السينما الرومانسية التقليدية والبحث عن لغة سينمائية جديدة تكشف شقوق المجتمع.، وبدأ مشواره الفني مساعدًا للمخرج الراحل يوسف شاهين، وهو ما شكّل وعيه السينمائي وفتح أمامه آفاقًا فكرية وفنية واسعة، انعكست لاحقًا في أفلامه التي امتازت بالجرأة والعمق والطرح الفلسفي.
منذ بداياته، اختار عبد السيد طريقًا مختلفًا، بعيدًا عن السينما التجارية السائدة، مقدّمًا أعمالًا تعتمد على الإنسان وأسئلته الوجودية، والعلاقة بين الفرد والمجتمع، والسلطة، والحرية، والهوية.
قبل انطلاقه في الأفلام الروائية، صنع عبد السيد عددًا من الأفلام التسجيلية التي اعتبرها “مختبرًا” لأسلوبه الواقعي، منها: وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم 1976، والعمل في الحقل 1979
أكسبته هذه المرحلة خبرة التصوير في مواقع حقيقية والتعامل مع غير الممثلين.
سينما المؤلف والواقعية الجديدة
يُصنف النقاد داود عبد السيد كأحد أعمدة الواقعية الجديدة، لكن واقعيته تميزت باختلافها عن واقعية عاطف الطيب الصادمة؛ إذ وصف النقاد سينما داود بأنها تستخدم الواقع كـ “متاهة” لطرح أسئلة وجودية وفلسفية.
فترة الثمانينات: بدأ بفيلم الصعاليك 1985 الذي رصد التحولات الطبقية الشرسة في مصر بعد سياسة الانفتاح الاقتصادي.
فترة التسعينات: قدم أهم أعماله، وعلى رأسها الكيت كات 1991 الذي يُصنف ضمن أهم كلاسيكيات السينما العربية، وفيلم أرض الخوف 1999 الذي اعتبره النقاد أيقونة فلسفية تناقش العلاقة بين الإنسان والسلطة المطلقة أو الإلهية .
الألفية الجديدة: تنبأ فيلمه مواطن ومخبر وحرامي 2001 بانهيار العقد الاجتماعي في مصر. ثم عاد بعد غياب طويل بفيلم رسائل البحر 2010 الذي رثى فيه مدينة الإسكندرية الكوزموبوليتانية.
أهم أعماله السينمائية
قدّم داوود عبد السيد عددًا من الأفلام التي أصبحت علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية، من أبرزها:
الصعاليك 1985: فيلم اجتماعي ناقد تناول التحولات الاقتصادية والقيم المتغيرة في المجتمع.
البحث عن سيد مرزوق 1990: أحد أشهر أفلامه، بطولة عادل إمام، ويمثل رحلة رمزية في عالم السلطة والاغتراب.
الكيت كات 1991: من روائع السينما المصرية، جسّد فيه شخصية الشيخ حسني التي لا تُنسى، وطرح من خلاله فلسفة الحياة والأمل رغم القهر.
أرض الخوف 2000: فيلم فلسفي عميق يناقش فكرة الخير والشر والسلطة والاختيار، ويُعد من أكثر أعماله تأثيرًا.
وفيلمه مواطن ومخبر وحرامي 2001 الذي تنبأ بانهيار العقد الاجتماعي في مصر. ثم عاد بعد غياب طويل بفيلم رسائل البحر2010 الذي رثى فيه مدينة الإسكندرية الكوزموبوليتانية.
أسلوب فني خاص
تميّز داوود عبد السيد بأسلوب سينمائي فريد، جمع بين الرمز والواقع، والعمق الفلسفي والبساطة البصرية، مع اهتمام كبير بتفاصيل الشخصيات والحوارات، ما جعل أفلامه تُدرّس وتُناقش في الأوساط السينمائية حتى اليوم.
كما كان حريصًا على العمل مع كبار نجوم التمثيل، لكنه في الوقت نفسه قدّمهم في أدوار غير تقليدية، أظهرت قدراتهم الحقيقية بعيدًا عن القوالب النمطية.
أُعلن عن وفاة المخرج داوود عبد السيد بعد مسيرة فنية طويلة، تاركًا خلفه إرثًا سينمائيًا خالدًا، وسط حالة من الحزن في الوسط الفني والثقافي، حيث نعاه عدد كبير من الفنانين والنقاد، مؤكدين أن السينما المصرية فقدت أحد أهم عقولها المبدعة
27 ديسمبر 2025 عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد معاناة استمرت عامين مع الفشل الكلوي



