منوعات-384
شركات ومطاعم تستخدم أساليب إبداعية لمواجهة مشكلة الطعام المهدر ..1.3مليار طن عالميا
هناك عدد متزايد من الشركات يجد استعمالات خلاّقة للطعام الفائض. لكن هل يستسيغ المستهلكون تناول منتجات غذائية كانت ستنتهي إلى سلة القمامة لو لم يعاد إنتاجها؟
في الظاهر، يبدو أن مقهى "بين آند ويت" مختلف وغير اعتيادي. إنه مقهى ومطعم مأكولات بعيد عن الأنظار، يقع في زقاق مرصوف بالحصى بالقرب من محطة "ليفربول ستريت" في لندن.
غير أن الأطعمة التي أبدأ في تناولها هنا بلهفة – وهي علب زجاجية مليئة بمأكولات شهية مثل الخضراوات المخللة، وحلوى الشيكولاتة النباتية المزيّنة في أعلاها بقطع التوفو الدسمة- جميعها مصنوعة من مكونّات كانت ستُرمى في سلال القمامة.
هي ليست من مخلفات أو بواقي مأكولات تركها المستهلكون، وإنما من أجزاء من خضراوات لم تستغل جيدا في مطابخ بعض المطاعم الأخرى.
وقد افتتح آدم هاندلينغ مطعمه "بين آند ويت" في شهر يونيو للاستفادة من الطعام الفائض من المطبخ التابع لمطعم يقع بالجوار، وهو مطعم "ذا فروغ إي 1".
أراد هاندلينغ، المتأهل لنهائي برنامج مسابقات "كبير الطهاة"، أن يساهم في تقليص قرابة 199 ألف طن من فضلات الأطعمة المتولدة سنوياً من المطاعم البريطانية، والتي يحس أنها لا تضر بالبيئة فقط، بل هي أيضاً "هدر للمال".
تشمل أطباق مطعم "بين آند ويت" سَلاطات مصنوعة من أجزاء غير طبيعية للخضروات، مثل سيقان القرنبيط، وعجين مصنوع من بقايا خضراوات مقطوعة، وزيوت مصنوعة من رؤوس الأعشاب التي عادة ما ترمى كفضلات عند إعداد الطعام في المطاعم.
يصنع هاندلينغ أيضاً سماده من قشور الخضراوات وبقايا العصائر الباردة لفواكه ربما فقدت جزءا من شكلها الكامل، وحتى الصابون من منقوع القهوة.
يقول: "من بين أولوياتي التقليل من الطعام الفائض في مطاعمي إلى درجة أن لا يكاد لدينا أي شيء منها".
يعد "بين آند ويت" مجرد مطعم من بين عدد متنام من الشركات الساعية إلى معالجة مشكلة النفايات الغذائية، التي تبلغ نحو ثلث الأطعمة المنتجة بغرض الاستهلاك البشري، استناداً إلى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. ويعادل ذلك 1.3 مليار طن سنوياً في جميع أنحاء العالم.
إن الإنتاج الغذائي المفرط والأنظمة المقيّدة لبيع المنتجات الغذائية "المشوهة" أو تلك التي تغيّر لونها قليلا، أو النفور من البقايا السليمة منها، بالرغم من كونها صالحة للأكل تماماً، تعد جميعاً من تلك المسببات لذلك الهدر.
كما يقول النشطاء في هذا المجال إن هذه النفايات ليست مرفوضة أخلاقياً ولكنها تتسبب أيضاً في هدر المياه، وتؤدي إلى تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري العالمي، حيث أن الغازات الدفيئة تنبعث بكميات أكبر من مكبات النفايات المتراكمة دوما.
استقالت جيني دوسن كوستا من وظيفتها في مجال الاقتصاد في عام 2011 وأقامت شركة "رووبيز إن ذا ربل" على أمل أن تقدم "حلاً عملياً" للمشكلة.
وتستخدم هذه الشركة البريطانية الخضراوات والفاكهة غير المرغوبة من المزارع في بريطانيا لتصنع منها توابل مثل نكهة البصل الوردي، والفلفل الحار، وكاتشب الموز، ومخلل الخضراوات. وتتوفر منتجاتها لدى 500 متجر، بما في ذلك "ويتروز" و"سيلفريدجز" ومتاجر مستقلة.
حسب دوسن فإنها منذ بدأت الشركة، أصبح الناس أكثر وعيا بقضايا نفايات الطعام، وأكثر انفتاحاً في ما يتعلق بتناول الفائض من الأطعمة.
وتضيف دوسن: "تعوّد الكثير من المستهلكين على تجنبها ويساورهم القلق حول جودتها، لكني أعتقد أن ذلك يتغير حاليا. كما إن علامات تجارية، مثل علامتنا، تبيّن إمكانية صناعة منتجات ذات مذاق رائع"، مشيرة إلى أن شركتها قد حازت على جوائز عديدة.
في الحقيقة، حتى الشركات الكبرى لتجارة التجزئة تتبنى هذه النزعة، حيث تعرض متاجر مثل "تيسكو" و"أسدا" للبيع حالياً خضراوات وفواكه مشوهة.
ويتجه آخرون نحو منحى آخر لمعالجة المشكلة، مثل استخدام تطبيق إلكتروني أطلقته شركة التقنيات الدنماركية "توو غود تو غو".
إن هذا التطبيق هو واحد من بين تطبيقات جديدة تتيح للمستهلكين شراء أغذية متوفرة للبيع من المطاعم والمقاهي والمخابز المحلية بأسعار زهيدة جداً.
وتعمل هذه الشركة مع أكثر من 6 آلاف شركة للأغذية، بما فيها "يو! سوشي" وشركة "إكسماوث كوفي" وتدير عملياتها في ستة بلدان، منها المملكة المتحدة وسويسرا وألمانيا.
يقول كريس ويلسن، المؤسس المشارك لتلك الشركة، إن الشركة خلّصت مليوني وجبة غذائية من التوجه نحو سلال القمامة منذ تأسيسها في يونيوعام 2016، مع أنه لا يزال على الشركة أن تصارع التصورات السلبية المصاحبة للتعامل مع الغذاء الفائض.
ويضيف: "حدث تحول في ذهنية الناس، لكن أغلبهم لا يزالون يشعرون بريبة. فالغالبية العظمى في المملكة المتحدة لا يزالون ينظرون إلى الطعام المهدر باعتباره فضلات من صحون الناس. لكن معنا، ليس الأمر كذلك على الإطلاق".
تعتقد تريش كادي، المحللة الاقتصادية في مجال الأغذية لدى شركة "منتيل"، أيضاً أن فائض الأغذية لا يزال ينظر إليه بصورة سلبية.
وتقول: "يطالب المستهلكون بقوة الشركات أن تعالج مسألة هدر الأغذية، لكن ذلك لا يُترجم حالياً في سلوكياتهم، ولا يزال علينا أن نرى إن كانت النزعة ستصبح اعتيادية لدى الجميع في الوقت القريب".
وتشير كادي إلى مسح للآراء قامت به شركة "منتيل" ظهر فيه أن 77 % ممن يتناولون طعامهم خارج بيوتهم أو يشترون وجبات سريعة يتفقون على أنه ينبغي على المطاعم الالتزام بتقليص كميات الغذاء المهدر، لكن 17%فقط أبدوا استعدادا لتناول وجبات مصنوعة من طعام كان في طريقه إلى سلة المهملات.
من الطبيعي أن لا يقدر قطاع الضيافة وحده على معالجة مشكلة هدر الأغذية.
إذ يجب على جميع منتجي المواد الغذائية وتجار التجزئة، والأهم من كل ذلك، العائلات – وهي أكبر مصدر للأغذية المهدرة – أن يلعبوا دورا مهما، بحسب الجمعية الخيرية البريطانية "ويست آند ريسوسيز أكشن بروغرام".
ومع ذلك، يقول هاردينغ إن كل مسعى بسيط سيسهم في حل هذه المشكلة، وتوجد طرق ووسائل كثيرة يمكن لصناعة الأغذية أن تساهم بها.
ويضيف: "باستطاعتهم اتباع طرق طبخ تفصيلية أكثر، وإرسال أي شيء لا يمكن طبخه إلى مراكز لصنع الأسمدة، أو إيجاد طريقة أخرى للاستفادة من المنتجات الثانوية أو الأجزاء غير المستعملة من الأطعمة، أو التبرع ببقايا الأطعمة إلى الجمعيات الخيرية، كما تفعل بعض المطاعم والمتاجر الكبرى.
ويتابع هاردينغ قائلا: "ستحتاج لثانية واحدة كي تتأمل، هل استنفدتُ تماماً كل الاحتمالات الممكنة للتعامل مع هذه المكوّنات من الطعام؟ قبل أن ترميه.
نقلا عن موقع BBC Entrepreneurship.