المقالات
صبحي شبانة يكتب .. ماذا بعد كامب ديفيد الثالثة ؟
،،، لم يكن في الأمر مفاجأة للمتابعين للشأن السعودي، بخصوص تغيب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز عن حضور قمتي واشنطن و كامب ديفيد، وتجاهله لكل الإغراءات التي لوحت بها الإدارة الأمريكية، ورفضه إلحاح وزير الخارجية جون كيري الذي جاء الى الرياض في محاولة إقناع فاشلة، وعدم إكتراثه بإتصال هاتفي من أوباما الذي يسعى إلى تمرير الإتفاق النووي مع إيران أمام الكونجرس الأمريكي على حساب الحليف الخليجي.
وليس من قبيل المبالغة ايضا الجزم إننا أمام مملكة جديدة تديرها عقول راشدة وقيادات شابة ، تدرك مكونات قوتها، وعناصر تأثيرها، ففي واقع الأمر إننا أمام جيل سعودي جديد لديه إصرار على مواجهة التحديات، ومجابهة المؤامرات، وصناعة التغيير الجاد، وصياغة المستقبل ، خلافا لما إعتادت عليه السياسة السعودية طوال العقود الماضية من التحلي بالحكمة ، والتريث في ردات الأفعال، والتؤدة في إتخاذ القرار، والصبر إلى أبعد مدى.
لايحتاج الأمر لمن عاش في المملكة، وعايش مثقفيها وساستها أن يجزم بان بمقدوره ان يقرأ ملامح السياسة السعودية، أو يتنبأ باستراتيجياتها، لا أقول ردات فعلها، إذ يبدو لكل مطلع أن إدارة الحكم الجديد في المملكة التي تشكلت مع إعتلاء الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة تعكف منذ الساعات الأولى على إعادة صياغة علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية على أساس "المشاركة لا التبعية، التعاون لا الخضوع "، خصوصا بعد أن برهنت دول الخليج على بروزها كقوة إقليمية قادرة على الفعل، والردع، والتحدي، وتشكيل تحالف خليجي وعربي يمكنه مواجهة اية تحديات إقليمية سياسيا، وعسكريا بعيدا عن الإبتزاز الأمريكي، وهو ما تجسّد واقعا في الحرب على اليمن التي شنها التحالف العربي ضد المتمردين الحوثيين وميليشيات المخلوع علي عبد الله صالح.
تشكل قمة كامب ديفيد منعطف حاد في مسار السياسة الامريكية مع دول الخليج، فبرغم أنها جاءت بدعوة أمريكية ،إلا أن قادة الخليج تحكموا في جدول اعمالها، ونتائجها بالشكل الذي جعل اوباما عاجزا عن تفسير اسباب فشل سياساته في المنطقة، أو حتى مجرد تبريرها،
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إستبق قمة كامب ديفيد وأعلن من واشنطن وعلى مقربة من البيت الابيض أن القمة ستركز على ثلاثة محاور رئيسية ، التعاون العسكري، مكافحة الإرهاب، مواجهة التحديات الإقليمية وفي مقدمتها التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة، وأكد على أن الجانب الأمريكي سيقدم للجانب الخليجي شرحًا مفصلا عن مباحثات الملف النووي الإيراني، وقال إن عقد قمة كامب ديفيد تعبر عن الاتفاق بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بنقل العلاقات بين أمريكا ودول الخليج العربي إلى مستوى مختلف .
حالة من إنعدام الثقة في أوباما تخيم على العلاقات الخليجية الامريكية التي كان ينظر إليها في السابق على انها من المقدسات التي لاتمس، أويعتريها الإخفاق، ينظر الخليجيون الى قمة كامب ديفيد بأنها على الأرجح مثل القمم السابقة التي إحتضنها منتجع كامب ديفيد لحسم القضايا العربية، القمة الأولى أسفرت عن معاهدة السلام بين مصر واسرائيل عام 1978م، والثانية جمعت الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الاسبق إيهود باراك عام 2000، برعاية الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون وهي القمة التي فشلت في تحقيق سلام بين الفلسطينيين واسرائيل.
حضرت دول الخليج قمة كامب ديفيد وأهداف كل طرف متباينة، ففي الوقت الذي تريد فيه امريكا تمرير الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة الدول 5+1، بدعاوى وضع دول الخليج في صورة التفاهمات مع ايران، سبل التعامل مع الطموحات الإيرانية ، الضمانات الأمريكية لكف يد إيران عن التدخل في شؤون الدول العربية والخليجية، لكنها في حقيقة الأمر (وهذا ماتفهمه دول الخليج جيدا) تسعى الى تفاهمات بشأن عقد صفقات سلاح مع دول الخليج تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار، بحجة مساعدة دول مجلس التعاون الخليجي على تأسيس نظام دفاعي إقليمي يحميها من الصواريخ الإيرانية، كما تسعى واشنطن الى مزاحمة فرنسا التي تسعى الى ملأ الحيز الذي أخفقت فيه أمريكا، ومن هذا المنطلق كان موضوع الدرع الصاروخية الأميركية للخليج على أجندة قمة كامب ديفيد بين الرئيس أوباما والقادة الخليجيين، وفي نفس الوقت طالبت دول الخليج أمريكا بتقديم ضمانات أمريكية مكتوبة، وهو مارفضته ادارة أوباما، بحجة عدم موافقة الكونجرس على مثل هذه التعهدات ، لكن دبلوماسيون خليجيون قللوا لروزاليوسف من قيمة أية التزامات مكتوبة تتعهد بها الادارة الامريكية وهي التي إعتادت خرق كافة التعهدات، وعدم الالتزام بأي وعود ، وهو الامر الذي يفسر إتساع رقعة عدم الثقة بالرئيس الامريكي وإدارته.
شخصية سعودية بارزة فسرت لروزاليوسف أسباب حضور كل من أمير الكويت وأمير قطر رغم مقاطعة العاهل السعودي الملك سلمان الذي فضل افتتاح مركز الملك سلمان للاغاثة الانسانية في الرياض على الذهاب الى كامب ديفيد ، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة الذي غاب عن قمة كامب ديفيد ، مفضلا حضور سباق للخيل في بريطانيا بصحبة الملكة إليزابيث الثانية، على الالتقاء بالرئيس الأمريكي باراك أوباما ، والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان تغيب لأسباب صحية، فأمير الكويت يدين بالفضل للولايات المتحدة الامريكية في تحرير بلاده من الغزو العراقي عام 1991م، وأمير قطر الذي تحتضن اكبر قاعدين عسكريتين لامريكا في الخارج وهما قاعدة العديد وقاعدة السليلة ، كما أن قطر من ادوات امريكا في تخريب المنطقة، كما أن كل من قطر والكويت أنهتا مع الولايات المتحدة الامريكية تفاهمات بشأن إبرام صفقات تسليح غير مسبوقة لتعزيز الدفاع الصاروخي والأمن الإلكتروني ومكافحة الإرهاب وأنظمة باتريوت للدفاع الصاروخي تتجاوز قيمتها 15 مليار دولار، وعلى صعيد متصل بمحاولة ترويج السلاح الامريكي لدول الخليج ، بحث ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان مع نظيره الأميركي آشتون كارتر في مقر وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" المجالات الدفاعية بين الرياض وواشنطن، في إطارالشراكة الاستراتيجية بين الدولتين لضمان استقرار وأمن الشرق الأوسط
بالفعل أنظمة باتريوت للدفاع الصاروخي فيها والتي تصنعها شركة رايتون والتي تشمل صواريخ باك3 الجديدة من صنع شركة لوكهيد مارتن.
المعلومات التي رشحت لروزاليوسف ان اللقاء الذي جمع أوباما بولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف وولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان في العاصمة الامريكية واشنطن يوم الاربعاء الماضي كان كاشفا وصريحا ، أكد خلاله ولي العهد السعودي ان بلاده تسعى لتعميق العلاقات التاريخية مع الولايات المتحدة الأمريكية على أرضية من التعاون والشراكة ، وإعادة بناء الثقة، وأن المملكة لم تعد تكتفي بتطمينات شفهية، قال ولي العهد نريد وضوحا من السياسة الامريكية في سوريا، كفى غموضا ، نريد كبح جموح ايران في العراق، نريد ان تتحول معاني السلام الى واقع ملموس في فلسطين ، الرئيس الامريكي من جانبه قال إنه بحث مع ولي العهد السعودي وقف إطلاق النار في اليمن، والوقوف مع الحكومة الشرعية في اليمن، وإسهامات المملكة في التصدي لتنظيم داعش الإرهابي، وبحث ملفات الأزمة في العراق وسوريا.
في قمة كامب ديفيد فشل الرئيس الأميركي باراك أوباما في تهدئة مخاوف الخليجين الناتجة عن تخبط سياساته المرتبكة والتي اثبتت عدم فعاليتها أو جدواها في الشرق الاوسط ، السؤال الذي يطرح نفسه في الدوائر الخليجية ، هل قمة كامبة ديفيد هي مجرد
معرض ارادها أوباما لترويج السلاح الامريكي لدول الخليج ؟ أم هي توطئة لقبول إيران كدولة إقليمية تهيمن على ماتبقى من العواصم العربية على الساحل الغربي من الخليج؟
نقلا عن مجلة روزاليوسف