صعود الجنوب العالمي: تقرير مصري يرسم ملامح نظام عالمي جديد خارج الهيمنة الغربية

في قراءة معمقة لخريطة القوة العالمية المتغيرة، أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري تقريرًا يرصد التحولات البنيوية التي يشهدها العالم، مسلطًا الضوء على الدور المحوري الذي يلعبه الجنوب العالمي في صياغة هذا الواقع الجديد. التقرير لا يكتفي بسرد الأحداث، بل يغوص في تحليل الأبعاد الاقتصادية والسياسية لهذا الصعود اللافت.
ما هو الجنوب العالمي؟
يوضح التقرير أن مصطلح الجنوب العالمي لم يعد مجرد إشارة جغرافية، بل هو مفهوم سياسي واقتصادي يصف الدول التي تشترك في تاريخ استعماري وتواجه تحديات تنموية، وتقع غالبيتها في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. هذا المفهوم يتجاوز التقسيمات التقليدية ليصبح أداة تحليلية لفهم التفاوتات في النظام الدولي ورصد تطلعات القوى الصاعدة.
ويستعرض لتقرير تعريفات متعددة للمصطلح، فهو من منظور اقتصادي يمثل الدول النامية ذات الدخل المنخفض، ومن منظور سياسي يُعد امتدادًا لحركات تاريخية مثل “عدم الانحياز” و”مجموعة الـ 77″. الأهم من ذلك، أنه أصبح يمثل هوية مشتركة وسردًا جماعيًا لدول تسعى لتغيير نظام دولي هيمنت عليه القوى الغربية لعقود.
أرقام تكشف التحول
بالأرقام، يجسد التقرير الثقل الديموغرافي والاقتصادي لهذه الكتلة، حيث تضم دول الجنوب العالمي نحو 130 دولة، تمثل 85% من سكان الكوكب في عام 2024. ورغم التحديات المتمثلة في ديون خارجية بلغت 11.4 تريليون دولار، فإن معدل نمو ناتجها المحلي الإجمالي يفوق نظيره في دول الشمال، مما يؤكد أنها أصبحت محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي العالمي.
ملامح نظام متعدد الأقطاب
لم يعد صعود قوى جديدة مجرد تكهنات، بل حقيقة يرصدها التقرير، الذي يشير إلى تبلور نظام عالمي جديد يقوم على التعددية القطبية وتراجع المركزية الغربية. ويتجلى ذلك في تنامي دور تكتلات مثل تكتل بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وظهور مؤسسات مالية موازية كبنك التنمية الجديد، والتي تمثل تحديًا مباشرًا لهياكل الحوكمة العالمية التقليدية.
هذا التحول لا يقتصر على موازين القوى السياسية، بل يمتد إلى بنية الاقتصاد العالمي نفسه. فالأزمات المتلاحقة، من اضطراب سلاسل الإمداد إلى التحول نحو الاقتصاد الأخضر، تعيد تعريف مقومات القوة الاقتصادية، وتمنح دول الجنوب، الغنية بالموارد الطبيعية والسكان الشباب، فرصة تاريخية لتعزيز نفوذها.
تحليل إنساني: ما وراء الأرقام
إن التحركات التي نشهدها اليوم ليست مجرد إعادة توزيع للثروة، بل هي تعبير عن رغبة عميقة في إعادة كتابة قواعد اللعبة الدولية. الشعور بالتهميش داخل مؤسسات أُسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية يدفع دول الجنوب العالمي نحو بناء تحالفات أكثر تماسكًا. إن السعي لتعزيز التبادل التجاري بالعملات المحلية، على سبيل المثال، هو محاولة عملية لتقليل الاعتماد على الدولار وبناء نظام مالي عالمي أكثر استقلالية وعدالة.
هذا الحراك يعكس نضجًا سياسيًا ووعيًا متزايدًا بالمصالح المشتركة، حيث لم تعد هذه الدول مجرد متلقٍ للسياسات الدولية، بل أصبحت طرفًا فاعلًا يسعى لضمان تمثيل مصالحه في القضايا المصيرية، من تغير المناخ الذي تتأثر به بشكل غير متناسب، إلى إصلاح مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والمؤسسات الأخرى.
تحديات وفرص مستقبلية
رغم الآفاق الواعدة، يواجه الجنوب العالمي تحديات جسيمة، أبرزها الفقر، وأزمات الديون، وانعدام الأمن الغذائي، والتوترات الجيوسياسية. لكن المستقبل يحمل أيضًا فرصًا غير مسبوقة، فبحلول عام 2030، من المتوقع أن تكون ثلاثة من أكبر أربعة اقتصادات في العالم من دول الجنوب (الصين، الهند، إندونيسيا).
كما أن الطفرة التكنولوجية، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، تفتح أبوابًا جديدة للابتكار والنمو، لا سيما في مناطق مثل جنوب شرق آسيا. ويخلص التقرير إلى أن هذه الدول تقف عند مفترق طرق حاسم، فإما أن تستغل مقوماتها البشرية والمادية لفرض واقع جديد، أو أن تظل في دور هامشي. إن تحقيق هذا التحول مرهون بقدرتها على تحقيق إصلاحات داخلية جادة، بالتوازي مع تحرك دولي منسق من أجل نظام عالمي أكثر عدلًا وشمولًا.
الحياة نيوز موقع إخباري شامل يهتم بتغطية كافة الأحداث على المستوى الدولي والمحلي ورصد أهم الأخبار والاقتصاد أسعار الذهب ،البورصة المصرية ،أخبار الرياضة ،محافظات ، حوادث ، أخبار التعليم .



