«قانون الإيجار القديم».. تشريع يبحث عن إرضاء الجميع

منذ أعوام، نص قانون الإيجار القديم، على ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتباراً من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون وعدم زيادتها، من دون الوضع في الاعتبار الزيادات المستمرة في الأسعار، مما أدى إلى خلل من التوازن في العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، لمصلحة المستأجر على حساب المالك، حتى ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسي، حجراً في بحر أزمة الإيجار القديم الجامدة منذ سنوات، بقوله خلال مؤتمر جماهيري، إن حل تلك المشكلة يتمثل في تكثيف المعروض من الشقق السكنية، وإن “الملكية يجب أن تعود لها قيمتها”.
ـ تعاقب سنوات قانون الإيجار
ويرجع تاريخ هذا الملف الشائك إلى أكثر من قرن، فأول قانون لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر إلى عام 1920، الذي نص على عدم جواز طرد المستأجر من الوحدة إلا بحكم محكمة يستند إلى عدة قواعد، أبرزها عدم سداد قيمة الإيجار.
وفي عام 1941، صدر قانون يمنع المؤجر من زيادة القيمة الإيجارية، وأعقبه عام 1952 قوانين عدة اعتُبرت في صالح المستأجرين، فبعد أشهر من الثورة صدر قانون يخفض القيمة الإيجارية بنسبة 15 في المئة للوحدات السكنية المنشأة بين 1944 وسبتمبر 1952، ثم صدر قانون عام 1958 خفض قيمة الإيجار بنسبة 20 في المئة للوحدات المنشأة في وقت لاحق على القانون السابق، وكذلك قانون صدر عام 1961 نص على نفس نسبة التخفيض للمباني المنشأة منذ 1958، وحتى صدور ذلك القانون.
وفي عام 1965 جاء القانون الجديد ليضيف مزيداً من التخفيضات على قيمة الإيجار، شملت المباني المشمولة في القوانين السابقة، أما في عام 1977، جاء قانون تنظيم إيجار الأماكن المفروشة، ليلغي كل قوانين الإيجار، ومنح للمؤجرين مزايا إضافية، إلا أن عقود الإيجار التي حُررت وفق القوانين السابقة تظل سارية، باعتبار أنه لا يوجد قانون يطبق بأثر رجعي، وظل الملاك أو المؤجرون يطالبون بمزيد من التعديلات التشريعية، فصدر قانون عام 1981 بهدف تحقيق التوازن بين المؤجر والمستأجر، وأشرك الطرفين في قيمة صيانة المبنى، وزاد من إيجار الأماكن المخصصة لغير السُّكنى، ثم تدخلت الدولة من جديد في عام 1996 بما يعرف بـ”قانون الإيجار الجديد”، الذي أقر للمرة الأولى تحديد مدة العلاقة الإيجارية.
أقرأ أيضا| مشادة بسبب عدم تسليم نسخ قانون الإيجار القديم للنواب خلال مناقشته
ـ أكثر من 2.9 مليون شقة تخضع للإيجار القديم في مصر معظمها مغلق
وكانت المحكمة الدستورية العليا، المنوط بها مراقبة تطابق القوانين مع الدستور، قد أصدرت حكماً تاريخياً، في نوفمبر 2024 ، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، في ما تضمنتاه من “ثبات” الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى، اعتباراً من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
كما كان قانون الإيجار القديم، يسمح بتوريث العقار أو الوحدة إلى ورثة المستأجر «حتى الجيل الخامس»، واستمر هذا الوضع حتى عام 2002، عندما قضت المحكمة الدستورية العليا بتنظيم مسألة “التوريث” وحدها، إذ أصبح التوريث “ممكناً لجيل واحد فقط بعد وفاة المستأجر”.
وأوردت المحكمة في حيثياتها أن هذا الحكم جاء استناداً إلى أن تثبيت القيمة الإيجارية عند نقطة زمنية ثابتة “يشكل انتهاكاً للعدالة وحق الملكية”، إذ يتجاهل مرور الزمن وتغير الظروف الاقتصادية. داعية إلى “ضرورة إصدار تشريع يوازن العلاقة بين المؤجر والمستأجر”.
وكانت رحى النزاع الموضوعي، تدور حول طلب الخصوم فيه إعادة تقدير القيمة الإيجارية للوحدات السكنية المؤجرة للمدعى عليهم الثلاثة الأخيرين، الذين احتجوا في النزاع الموضوعي بما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة (1) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ۱۹۸۱ المار ذكره، بألا تزيد القيمة الإيجارية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمباني، فيما تمسك المدعي بإعادة تقدير القيمة الإيجارية المحددة بمعرفة لجنة تحديد الأجرة المختصة، وكان النص المطعون فيه هو ما يحول دون إجابة المدعي لطلبه؛ ومن ثم يكون للفصل في دستورية هذا النص أثر مباشر وانعكاس أكيد على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتبعا لذلك تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن بعدم دستوريته.
ـ قانون الإيجار القديم.. خطوة نحو إرضاء المالك والمستأجر
وجاء طرح الدستورية، ليتوافق أيضا مع الجهود العديدة التي بذلها الملاك طوال الأعوام الماضية لاقتناص حقوقهم من مستأجري العقارات، إلا أن كل المحاولات كانت بلا جدوى، فملاك العقارات القديمة “عانوا كثيراً من المستأجرين على مدار الـ50 عاماً الماضية، وعلق مصطفى عبدالرحمن رئيس اتحاد ملاك العقارات القديمة، بعد إحالة مشروع قانون الإيجار القديم للجنة الإسكان بمجلس النواب لمناقشته والخروج بصيغة نهائية له من شأنها أن تحقق التوافق بين الملاك والمستأجرين.
وقال عبد الرحمن خلال تصريحاته لبوابة «أخبار اليوم»: “نثمن مجهودات القيادة السياسة والحكومة، في العمل على حل أزمة الإيجارات القديمة التي استمرت لعقود طويلة دون جدوى أو الوصول لحل نهائي”.
وأوضح عبدالرحمن، أن مطالب الملاك هي زيادة القيمة الإيجارية للشقق المؤجرة بنظام العقود القديمة داخل الأماكن الشعبية لـ 2000 جنيه و8000 للشقق المؤجرة بذات العقود بالمناطق الراقية وذلك لمدة 3 سنوات ليتم الإنتهاء بالعمل العقود القديمة ويتم تحريرها وكتابة عقد جديد، مشيراً أن حقوق الملاك كانت مغتصبة من قبل المستأجرين الذين كانوا يمنحوننا إيجارات متدنية وزهيدة، ووصلت الحال بأحد ملاك العقارات أن يعمل بوظيفة مرافق لأحد كبار السن ويتولى رعايته من أجل كسب المال رغم أنه صاحب أملاك”.
ـ خيارات البرلمان والحكومة أمام المالك والمستأجر
وممثلاً عن الحكومة في تقديم مشروع قانون للجنة البرلمان المختصة في نقاش مشروع قانون الإيجار القديم؛ استهل المستشار محمود فوزي وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، كلمته أمام البرلمان، بتأكيد على أن الحكومة والنواب لن ينحازوا لطرف على حساب طرف، فى شأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وان الانحياز سيكون للعدالة وتحقيق التوازن بين الطرفين واستقرار المجتمع وسلامه.
واستعرض الوزير بشكل مبسط التطور التشريعي التاريخى لقوانين الايجار فى مصر، موضحًا أن أهم ما يجعل قوانين الإيجار القديم مختلفة أمران، الأول الامتداد للقانوني لعقد الإيجار والثاني ثبات الأجرة، كما كشف فوزي أن المحكمة الدستورية العليا قد أصدرت 39 حكمًا فى شأن قوانين إيجار الأماكن، منها 26 بعدم الدستورية من أهمها.
والثاني: أن المشروع المقدم من الحكومة، جاء نفاذا لحكم الدستورية الأخير سالف الذكر واستعرض سيادته أهم الأحكام الواردة بالمشروع وأن هذا الطرح تبنى ضوابط تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، وصون الملكية وتحقيق العدالة الاجتماعية التى لا يناقض مفهومها حق الملكية، بل يحرص على التوازن في الحقوق التي كفلها المشرع لأطراف العلاقة الايجارية.
وخلال جلسات اللجان، أشار المستشار محمود فوزي، إلى أن أهم ما جاء بالطرح المقدم من الحكومة تحرير العلاقة الإيجارية، بعد انقضاء فترة انتقالية، وزيادة الأجرة القانونية، وفرق المشروع بين الوحدات الكائنة في المدن أو المركز أو الأحياء، والوحدات الكائنة في القرى، وزيادة الأجرة القانونية للأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، مع منح أولوية للمستأجرين الذي تنتهي عقود إيجارهم بموجب القانون للحصول وحدات سكنية أو تجارية أو إدارية، إيجارًا أو تمليكًا، في الوحدات المتاحة لدى الدولة.
من جانبه، أكد المهندس شريف الشربينى وزير الاسكان، أنه سيتم مراعاة البعد الانسانى بايجاد أماكن بديلة لمن ستنتهى عقود ايجارهم وفقا لأحكام القانون، وفى هذا السياق أكد الدكتور محمد الفيومى أن هذه المادة ستلقي مزيدًا من الدراسة والتدقيق.
ـ المحكمة الدستورية العليا تناشد المالك والمستأجر
فالدستورية في حيثيات حكمها الذي وصف بالتاريخي قالت: “ولئن جاز القول بأن العدالة الاجتماعية وإن كانت من القيم التي تبناها الدستور، إلا أن مفهومها لا يناقض بالضرورة حق الملكية، ولا يجوز أن يكون عاصفا بفحواه وعلى الأخص في نطاق العلائق الإيجارية التي تستمد مشروعيتها الدستورية من التوازن في الحقوق التي كفلها المشرع الأطرافها ؛ ذلك أن الملكية بما يتفرع عنها من الحقوق – ينبغي أن تخلص لأصحابها، فلا ينقض المشرع على أحد عناصرها، ليقيم بنيانها على غير القواعد التي تتهيأ بها لوظيفتها الاجتماعية أسبابها”.
الحياة نيوز موقع إخباري شامل يهتم بتغطية كافة الأحداث على المستوى الدولي والمحلي ورصد أهم الأخبار والاقتصاد أسعار الذهب ،البورصة المصرية ،أخبار الرياضة ،محافظات ، حوادث ، أخبار التعليم .