قنابل خارقة تقابلها تحصينات خارقة.. تشكيك في فعالية قصف “فوردو”

قال الكاتب والمحل السياسي بيتر سوسيو إنه رغم التصريحات القوية التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الدفاع بيت هيغسيث، وأكدت على أن منشآت إيران النووية قد “دُمّرت تماماً” خلال عملية مطرقة منتصف الليل، إلا أن تقارير استخباراتية وأوساط الخبراء تشكك في دقة هذه الادعاءات.
واعتمدت العملية على قاذفات “بي-2 سبيريت” التي ألقت قنابل خارقة للتحصينات من طراز GBU-57/B، وهي قنابل زنة 30 ألف رطل مخصصة لاختراق التحصينات العميقة، واستُخدمت لأول مرة في عملية قتالية ضد منشأة فوردو النووية الإيرانية.
تسريبات دفاعية
وأشار الكاتب في مقاله بموقع مجلة “ناشونال إنترست”، إلى أنه رغم هذا الاستخدام غير المسبوق، بدأت أصوات داخل الاستخبارات الأمريكية تستخدم توصيفاً آخر أكثر تحفظاً مفاده أن البرنامج النووي الإيراني لا يزال “سليماً بدرجة كبيرة”.
وتشير تسريبات من وكالة الاستخبارات الدفاعية إلى أن الضربات ربما أخّرت تقدُّم إيران النووي لبضعة أشهر لا أكثر، وليس لسنوات بحسب ما يُشاع، مما يعني أن وصف “التدمير الكامل” بعيد كل البُعد عن الواقع.
وفي حين تصرّ المتحدثة باسم البيت الأبيض على أن “إسقاط 14 قنبلة زنة 30 ألف رطل بدقة كاملة يعني دماراً شاملاً”، بدا الرئيس ترامب نفسه أكثر تحفظاً في خطابه الأخير في قمة الناتو، حيث قال إن التقييمات الاستخباراتية “غير حاسمة”، وأشار إلى انتظاره تقريراً إسرائيلياً مفصّلاً سيحسم الجدل.

خرسانة فائقة التحمل
ولفت الكاتب إلى أن منشأة فوردو لم تُحصّن فقط بفضل موقعها داخل جبل شاهق، لكن أيضاً عبر استخدام نوع متطور من الخرسانة يُعرف باسم “الخرسانة فائقة الأداء (UHPC)” في بنائها، والتي تزيد قوة تحملها بعشرة أضعاف مقارنةً بالخرسانة التقليدية.
وابتكرَ هذه الخرسانة لأول مرة الجيش الأمريكي في الثمانينات، وتُستخدم اليوم في المنشآت العسكرية والمدنية التي تتطلب أقصى درجات الصلابة.
وتُضاف إلى هذه الخرسانة ألياف معدنية وبوليمرية، مما يمنحها خصائص “مركبة” تجعلها أكثر مقاومة للتشقق والانهيار عند التعرض لقوة انفجارية أو طاقة حركية عالية، مما يفسّر احتمال أن تكون منشأة فوردو قد نجت نسبياً من الضربات الجوية الأخيرة.

سباق القنابل والتحصينات
ومنذ الحرب العالمية الأولى، التي بدأت فيها الجيوش بتحصين مواقعها بالخرسانة المسلحة، بدأ سباق تسلح بين القذائف القادرة على اختراق التحصينات والمواد القادرة على مقاومتها.
ففي الحرب العالمية الثانية، صنعَ الألمان قذائف “روشلينغ”، في حين ابتكر البريطانيون قنبلة “الضربة الكبرى” التي بلغ وزنها 22 ألف رطل وكانت قادرة على اختراق الأسطح الخرسانية قبل أن تنفجر.
واستمرَ هذا السباق خلال الحرب الباردة، ثم تسارع قبل حرب الخليج عام 1991 حين اكتشفت الولايات المتحدة وجود تحصينات عراقية تحت الأرض. وعندها بدأت جهود مكثفة لابتكار قنابل خارقة أكثر فاعلية، مما أدّى إلى إنتاج ذخائر جديدة أسقطتها طائرات F-111 على المواقع العراقية.
ومنذ عام 2012، تواصِل القوات الجوية الأمريكية دراسة طرق جديدة لاختراق المنشآت الدفينة، مما أسفر عن ابتكار قنبلة MOP الحالية، وهي قنبلة تقليدية ضخمة لا تستطيع أي طائرة حملها سوى الطائرة طراز B-2.

تحصينات أشد تعقيداً
لكن بالتزامن مع تطور التحصينات، زادت الشكوك حول مدى قدرة قنابل MOP على إنجاز المهمة، إذ بدأت الصين مثلاً في تجربة نوع جديد من الخرسانة الطبقية المتقدمة يُعرف باسم FGCC (المادة الأسمنتية المركبة المتدرجة وظيفياً)، التي تتمتع بخصائص متنوعة في كل طبقة، مما يمنحها قدرةً فريدة على امتصاص الضربات والتخفيف من أثرها.
ومع زيادة تعقيد هذه التحصينات، قد لا يكمن الحل في صناعة قنابل أكبر فحسب، بل في ابتكار وسائل هجومية جديدة كلياً.
ومن بين الخيارات المحتملة استخدام صواريخ فرط صوتية تعتمد على الطاقة الحركية والسرعة الهائلة لاختراق التحصينات، بدلاً من الاعتماد على الانفجارات الكيميائية حصراً.
تُعيد هذه المرحلة من سباق التسلح إلى الأذهان لحظة سقوط أسوار القلاع الأوروبية أمام البارود والمدافع قبل قرون، حين تغيّرت موازين القوى إلى الأبد. واليوم، يبدو أن التحصينات الحديثة تتفوّق على القنابل التقليدية، على الأقل حتى يظهر سلاح جديد يُعيد المعادلة إلى نقطة توازن جديدة.
الحياة نيوز موقع إخباري شامل يهتم بتغطية كافة الأحداث على المستوى الدولي والمحلي ورصد أهم الأخبار والاقتصاد أسعار الذهب ،البورصة المصرية ،أخبار الرياضة ،محافظات ، حوادث ، أخبار التعليم .