من البناء إلى التكنولوجيا.. كيف دمر العدوان على غزة القطاعات الحيوية في إسرائيل؟

منذ اندلاع العداون على غزة قبل نحو عام، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات غير مسبوقة، إذ ألقت الحرب بظلالها الثقيلة على مختلف القطاعات الاقتصادية، مما أدى إلى تباطؤ النمو وزيادة العجز المالي وارتفاع معدلات الفقر، ما يسلط الضوء على أبرز التداعيات الاقتصادية للعدوان المستمر على غزة منذ عام، والتي تضع إسرائيل أمام تحديات اقتصادية كبيرة قد تستمر لسنوات قادمة.
انكماش اقتصادي وتراجع في التصنيف الائتماني
شهد الاقتصاد الإسرائيلي انكماشاً ملحوظاً منذ بداية العداون على غزة، إذ انكمش الاقتصاد بنسبة 0.4% في الربع الثاني من عام 2024 بمقياس نصيب الفرد من الناتج المحلي، وفقاً لتقرير نشره موقع فرانس 24.
هذا الانكماش جاء مخيباً لآمال المحللين الذين توقعوا نمواً بنسبة 5.9% خلال نفس الفترة.
ونتيجة لهذا التراجع الاقتصادي، قامت وكالات التصنيف الدولية الكبرى بتخفيض تقييمها لديون إسرائيل، ما أثار انتقادات من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين.
ورغم تأكيد نتنياهو على أن الاقتصاد “مستقر وصُلْب”، إلا أن الخبير الاقتصادي جاك بنديلاك حذر في تصريحات لفرانس 24 من احتمال دخول الاقتصاد في مرحلة ركود إذا استمرت المعارك لفترة أطول.
تضرر القطاعات الحيوية
لم تقتصر آثار العداون على غزة على المؤشرات الاقتصادية الكلية فحسب، بل امتدت لتطال قطاعات حيوية عديدة في الاقتصاد الإسرائيلي، إذ يعد قطاع البناء من أكثر القطاعات تضرراً من الحرب.
وفقاً لتقرير نشرته وكالة بلومبيرج، يعاني هذا القطاع من ركود حاد بسبب منع العمال الفلسطينيين من دخول إسرائيل.
قبل العدوان على غزة، كانت سلطات الاحتلال تصدر نحو 100 ألف تصريح عمل للفلسطينيين، مما ساهم بشكل كبير في دعم قطاعات البناء والزراعة والصناعة.
ورغم محاولات الحكومة الإسرائيلية استبدال العمال الفلسطينيين بعمال أجانب من دول مثل الهند وبنغلاديش والفلبين، إلا أن هذه الخطط لم تنجح في سد الفجوة.
قطاع السياحة
تعرض قطاع السياحة لضربة قاسية منذ بدء العداون على غزة، إذ انخفض عدد السياح بشكل كبير، سواء لأغراض الترفيه أو السياحة الدينية.
وتشير بيانات وزارة السياحة الإسرائيلية إلى أن عدد السياح الذين زاروا إسرائيل بين يناير ويوليو 2024 بلغ نحو 500 ألف سائح فقط، وهو ما يمثل ربع العدد مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
قطاع التكنولوجيا الفائقة
حتى قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي يعد من أهم ركائز الاقتصاد الإسرائيلي، لم يسلم من تداعيات العدوان على غزة، إذ فقد كشفت دراسة نشرها موقع “كالكالست” الإسرائيلي المتخصص أن 49% من شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة ألغت استثماراتها منذ بداية الحرب.
كما أعرب أكثر من 80% من الشركات و74% من المستثمرين عن شكوكهم بشأن قدرة الحكومة على مساعدة هذا القطاع الحيوي على التعافي.
ارتفاع الإنفاق الحكومي والعجز المالي
مع استمرار العداون على غزة، شهد الاقتصاد الإسرائيلي زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي، إذ ارتفع الاستهلاك الحكومي بنسبة 8.2% في الربع الأخير من عام 2024 مقارنة بـ 2.6% في الربع السابق.
هذه الزيادة في الإنفاق، التي تأتي بشكل أساسي لتلبية احتياجات الحرب، أدت إلى ارتفاع العجز المالي بشكل كبير.
وفقاً لأحدث تقرير صادر عن المحاسب العام لوزارة المالية الإسرائيلية، يالي روتنبرج، بلغ العجز المالي 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي حتى يوليو 2024، أي ما يعادل 155.2 مليار شيكل (47.1 مليار دولار)ن ما يزيد من صعوبة قدرة إسرائيل على تحمل تكاليف الديون، خاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار والشيكل معاً.
ارتفاع معدلات الفقر
مع تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة، بدأت آثار العداون على غزة تنعكس بشكل مباشر على المواطنين الإسرائيليين، إذ أفادت منظمات المساعدة في إسرائيل عن زيادة الطلب على خدماتها، مع ظهور أعداد متزايدة من الأشخاص الجدد الذين يسعون للحصول على مساعدات غذائية.
وفي هذا السياق، أشار إيلي كوهين، مؤسس منظمة “بيتشون ليف” (القلب المفتوح) الخيرية، إلى أن أنشطة المنظمة تضاعفت منذ بداية العدوان على غزة، حيث ارتفع عدد العائلات التي تتلقى الدعم من المنظمة إلى أكثر من 200 ألف عائلة، وفقاً لما ذكره تقرير لـ”فرانس 24″.
التكلفة الباهظة للحرب
قدرت الخبيرة الاقتصادية الإسرائيلية راكيفيت روسك أميناح، الرئيسة التنفيذية السابقة لبنك لئومي، أن العدوان على غزة كلفت اقتصاد إسرائيل بالفعل أكثر من 67.3 مليار دولار (250 مليار شيكل).
وفي حديثها لقناة 12 الإسرائيلية، أوضحت روسك أن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحرب تتجاوز التكاليف المباشرة، مع وجود طلبات متزايدة من مؤسسة الدفاع لزيادة ميزانيتها السنوية بما لا يقل عن 20 مليار شيكل (5.4 مليارات دولار).
نظرة مستقبلية قاتمة
مع استمرار العداون على غزة وتصاعد تكاليفها، يبدو أن الاقتصاد الإسرائيلي يتجه نحو مزيد من الضغوط في المستقبل القريب، إذ توقعت وكالة فيتش في أغسطس 2024 أن الحرب في غزة قد تمتد إلى سنة 2025، مما يعني استمرار الضغوط الاقتصادية لفترة أطول.