أدب

مولود فرعون ..أديب الجزائر في الدروب الوعرة ضد الاحتلال الفرنسي

 
كتب : حسام خليل
لكل وقت مؤرخونه ولكل حدث وصف، الا ان للرواية والقصة دورا مختلفا قد نلحظه فى رصد دقيق لمعالم قرية او قبيلة او دولة بأكملها، فتستطيع ان ترى شعوب تحيا امامك من خلال ادب توارثناه عن أدباء عظماء، ومقاومة خاضوها ضد استعمار ما خارجي، او داخلي وربما تكون تلك المقاومة من خلال كلمات كتابها والذي دفع بعضهم ارواحهما ثمنا لها 
قد لا تفي تلك حق من قدموا ارواحهم واعمارهم فداءا لقضايا وطنهم وجلعوا من اقلامهم اسلحة تفتك بأعداء بلادهم .
وليكن اليوم شاهد على ميلاد احد تلك الرموز، وهو الكاتب الجزائري مولود فرعون الذي  عاش ومات مدافعا عن ارضه وشعبه .
وُلد مولود فرعون في 18 مارس عام 1913، في قرية تيزي وزو لعائلة فقيرة، وفرعون ليس اسم عائلته، بل كانت السلطات الفرنسية في هذه الفترة تقوم بتسمية العائلات الجزائرية في القرى وقررت إطلاق هذا الاسم على أسرته، بينما كان الاسم الأصلي هو شعبان.

وعلى الرغم من فقره فقد استطاع مولود الالتحاق بالمدرسة الابتدائية في قرية “تاوريرت موسى”، ولم تردعه الظروف الصعبة عن إكمال دراسته الأولية، وبعدها خاض العديد من الصراعات ليلتحق بالمدرسة الثانوية، وقد كان المعتاد في تلك الفترة أن يترك الأطفال الدراسة بعد حصولهم على الشهادة الابتدائية، وبعد إنهائه الثانوية دخل مدرسة المعلمين بالجزائر العاصمة.

لم تكن مدرسة المعلمين لمولود فرعون مجرد مدرسة عليا يلتحق بها ليكمل تعليمه، بل هدفاً وضعه نصب عينيه منذ البداية .. أن يصبح معلماً ويعود مرة أخرى إلى بلدته الصغيرة ليؤدي رسالته في تعليم صغارها.

وحقق مولود حلمه بحذافيره، فبعد تخرجه تم تعيينه عام 1935 في قريته مدرساً، ثم التحق بعدها بمدرسته الابتدائية عام 1946 ليرد جميلها، وترقى في المناصب التعليمية حتى أصبح مديراً لمدرسة “نادور” بالجزائر العاصمة عام 1957، وكان آخر مناصبه هو مفتش لمراكز اجتماعية عام 1960.

حربه على الاستعمار

“أكتب بالفرنسية، وأتكلم بالفرنسية، لأقول للفرنسيين، أني لست فرنسياً”

عبارة مولود فرعون الخالدة التي تلخص سيرته الذاتية ومسيرته في الحرب على الاستعمار، فهو لم يرفع السلاح أو يطلق النيران، لقد كتب ما يريد التعبير عنه بلغة عدوه ونشرها في بلاده، لتظل حتى اليوم يعاد نشرها باللغة الفرنسية كتذكرة لأحفاد المستعمرين بجرائم أجدادهم. 

وجد فرعون أن الكتابة عن جرائم الاستعمار وإبرازها في رواياته ومقالاته هي وسيلته المثلى للحرب، بالإضافة إلى أعماله التي خلدت التقاليد والهوية الأمازيغية لتظل باقية حتى الآن، وساعده على ذلك عمله بمهنة التعليم التي جعلته يختلط بكل طبقات المجتمع ويعايش هموم الطبقات الدنيا والفقراء، ليصبح هو صوتهم بالمجتمع.

وكذلك كان لفرعون نشاط نقابي، حاول من خلاله مجابهة نظام التمييز العنصري والذي أدى إلى تجويع الجزائريين وإذلالهم، حيث قام المستعمر بمصادرة الأموال والأراضي، ما دفع الكثير من الرجال لهجر بلادهم للعمل في المنفى، كما فعل والد مولود نفسه ووالد فيرولو في رواية “ابن الفقير”.

مولود فرعون وألبير كامو

درات الكثير من المراسلات بين مولود فرعون والكاتب والأديب الفرنسي الذي وُلد في الجزائر، كان الحوار على الأغلب حول الأعمال الأدبية لكل منهما، ولكن ذلك لم يُنسي فرعون قضيته الأساسية وهي تحرير بلاده من الاستعمار الفرنسي، وقد أرسل له بعد قراءته رواية الطاعون التي تدور أحداثها في الجزائر رسالة يعبر فيها عن أسفه لعدم ذكر أي شخصيات من أهالي البلاد في الرواية، وعدم القدرة على التواصل بين المستعمر والجزائريين على الرغم من السنوات الطويلة التي عاشوها سوياً على أرض واحدة.

ابن الفقير

تمثل رواية ابن الفقير باكورة أعمال مولود فرعون الأدبية، والتي كتبها وأنهاها عام 1939، وطبعها على حسابه الخاص، وقال عنها “كتبت رواية ابن الفقير إبان الحرب على ضوء شمعة ووضعت فيها قطعة من ذاتي” ثم أردف: “أنا متعلق بشكل كبير بهذا الكتاب، أولاً لأنني لم أكن آكل كل يوم رغم الجوع في حين كان الكتاب يولد من قلمي، وثانياً لأنني بدأت أتعرف على قدراتي“.

وهي خليط من الرواية والسيرة الذاتية، حيث تتبع فيها مولود حياته وطفولته في القرية الصغيرة تيزي، ثم كفاحه بالدراسة حتى وصوله لما يريد، لكنه لم يكن بطل الأحداث، بل كانت قريته بكل تفاصيلها وتقاليدها وعالمها الفريد. عرّف القارئ من خلالها على الأوضاع الاجتماعية في المجتمع بذلك الوقت، ومكانة المرأة والفتاة، التقاليد المتبعة، والظروف الاقتصادية الطاحنة التي دفعت الأب إلى الهجرة إلى دولة مستعمرة حتى يستطيع إعالة عائلته، ومن خلال رسائل الأب مع ابنه تعرفنا على حياة المهاجرين في غربتهم الإجبارية، والمعاملة السيئة والمهينة.

“ابن الفقير” شاهدة على عصر وحقبة شديدة التوتر والحساسية في تاريخ الجزائر، وكما يحدث دوماً كان فن الرواية هو الوسيلة المثلى لسرد التاريخ، ليظل حياً كقطع من واقع مضى تم نقلها دون أن تبرد أو تذبل مشاعر أشخاصها بعد.


ترك مولود فرعون العديد من المؤلفات الأدبية بالإضافة لعشرات المقالات، ومن كتبه:

ابن الفقير: رواية 1940.
الأرض الدم: رواية طُبعت عام 1953، وتتناول موضوع المنفى وصعوباته ونتائجه على شخصية المنفي، وكذلك قضايا الهوية والشرف.
أيام قبائلية: وهو كتاب يتناول عادات وتقاليد منطقته ومشاهد يومية من القرى الأمازيغية، وتم إصداره عام 1954.
الدروب الوعرة: رواية تم نشرها عام 1957، وتتناول صدام الثقافات من خلال قصة حب.
أشعار سي محند: تم إصداره عام 1960، وهو ترجمة لعدد كبير من قصائد الشاعر الأمازيغي “سي محند” واستخلاص سيرة حياته من خلال كتاباته، وكذلك تقديم المقاومة الأمازيغية بواسطة الشعر التقليدي.
رسائل إلى الأصدقاء: تم طبعه عام 1969، وهو يتناول المعاناة الجزائرية في ظل الاستعمار الفرنسي ومحاولات طمس الهوية، وذلك من خلال مرسلاته مع أساتذة وأدباء وناشرين مثل إيمانويل رويليس وألبير كامو.
الذكرى : تم إصداره عام 1972، وهو نصوص متفرقة.
مدينة الورود: وهي رواية لم يتمكن من إنهائها قبل اغتياله، وتم نشرها عام 2007.
اليوميات 1955-1962: هو شهادة هامة من الكاتب عن تلك الفترة من التاريخ الجزائري حيث كانت يكتب مولود فرعون مذكراته بصورة منتظم

اغتياله

قال مولود فرعون عن قيمة حياة المسلم “كم تساوي حياة المسلم؟ إنها في هذه الحالة لا تساوي أكثر من طلقة مدفع رشاش، بل ربما تساوي أقل من ذلك” ربما كنبوءة مسبقة عما سيحدث له في المستقبل القريب.

في 15 مارس 1962 قبل أقل من أسبوع من قرار وقف إطلاق النار بين فرنسا والجزائر – 19 مارس – قامت مجموعة من الإرهابين أعضاء عصابة المنظمة السرية الإرهابية الفرنسية (OAS) باغتيال مولود فرعون بوضح النهار، حيث كان في اجتماع مع مجموعة من العاملين في قطاع التعليم، وقاموا بهذه الفعل بمنتهى الوحشية، حيث اقتادوا فرعون مع خمسة من زملائه خارج غرفة الاجتماعات، ثم أمروهم بوضع أيديهم اتجاه النهار وأطلقوا النار عليهم، لتضيف هذه الحادثة وصمة عار أخرى مع الكثير من الحوادث البشعة الأخرى التي اقترفها المستعمر الفرنسي ضد الشعب الجزائري.



 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى