العالم

نقص اليد العاملة في أوروبا فرصة للشباب التونسي

جعلت الأزمة التي تشهدها تونس على المستويين الاقتصادي والاجتماعي الهجرة إلى أوروبا الأمل المتبقي للشباب العاطل عن العامل رغم حمله شهادة جامعية أو إنجازه لتدريب مهني. في المقابل، تعاني أوروبا من نقص باليد العاملة.

قرر مغني الراب، معتز بن عامر المعروف بلقب “بروكتاز”، مغادرة بلده تونس للبحث عن عمل في ألمانيا. وقبل ذلك كتب أغنية بكلمات تعبر عن حاله كما الكثير من شباب وطنه، يقول فيها “أحمل حقيبتي، لأن الظروف تدفعني للمغادرة، أترك بلدي بأهداف، ولن أغادر لمجرد حب المغادرة”. في أغنيته “حياة” يصف معتز، البالغ من العمر 23 عاماً، اللحظات الأخيرة التي عاشها في تونس قبل مغادرته. وصور بعض مقاطع الأغنية التي نشرها علىYoutube ، في غرفة نومه.

“لا خيار سوى الرحيل”

على رفوف غرفة نوم معتز، تظهر العديد من الجوائز، التي فاز بها خلال مشوار قاده ليصير بطل تونس للكرة الحديدية. لكنه اختار في نهاية المطاف، حمل جواز سفره وبعض المال بعملة اليورو وحقيبته، وعانق والدته مغادراً نحو حياة جديدة.

“لو كان بإمكاني البقاء في تونس لفعلت ذلك، هناك توجد عائلتي وكل من أحب، ولدي الكثير من الأسباب التي تدفعني لحب هذا البلد، لكن ليس لدي خيار”.

يعيش معتز حالياً في أوغرشايم، وهي بلدة صغيرة يقطنها 23 ألف شخص في غرب ألمانيا. يقطن في منزل مع العديد من التونسيين أغلبهم مهندسين وخبراء برمجة، يجمعهم الهدف ذاته، وهو العثور على وظيفة. يقول “لم أتمكن بعد من العثور على وظيفة، لم يتم قبولي في أي مكان”، مشيراً أنه وصل في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر.

في تونس، كان معتز يريد أن يعمل كأستاذ للرياضة، لكن حتى ومعه شهادة جامعية، اضطر لمواجهة الواقع نفسه الذي يواجهه عشرات الآلاف من الشباب التونسي: البطالة. وبحسب “المعهد الوطني للإحصاء”، فإن معدل البطالة بين الشباب في سن أقل من 25 سنة يتجاوز 37 بالمئة.

أصبح نظام التعليم العالي، الذي كان لفترة طويلة مصدر فخر لتونس، نظاماً لإنتاج العاطلين عن العمل في السنوات الأخيرة، بسبب عدم توافقه مع احتياجات سوق العمل. اليوم، تشكل السياحة والصناعة والزراعة القطاعات الرئيسية للاقتصاد التونسي.

في تحليله للوضع في تونس، قال أنيس موراي، وهو صحفي ومحلل تونسي، في تصريح لمهاجر نيوز: “لم ننجح في خلق تكامل بين التعليم وسوق العمل”. وانتقد الصحفي السياسة العامة في بلده ووصفها بـ”الكارثية”. يأتي هذا في ظل ما عاشته تونس في سياق ما قبل 2011 وبعدها، أي سنة الثورة وسقوط نظام زين العابدين بن علي. منذ ذلك الحين، لم ينجح هذا البلد في ضمان الاستقرار السياسي.

يصف الإعلامي التونسي الوضع قائلاً: “منذ ثورة 2011 هناك استياء وحالة من الضبابية وانعدام الاستقرار وغلاء المعيشة”. مؤكداً أنه “في الماضي، كانت الوظيفة العمومية تساهم في استيعاب وتوفير فرص عمل للذين درسوا علم الاجتماع والتاريخ والفلسفة والجغرافيا. لكن الحال اليوم تغير. أما بالنسبة لقطاع التكوين المهني وخاصة في قطاع الحرف اليدوية، فسمعتها في تونس سيئة”.

خُمس التوانسة يأملون في الهجرة

أبرز استطلاع حديث أجراه المرصد التونسي للهجرة أن واحداً من كل خمسة أشخاص يعيشون في تونس يفكرون في مغادرة البلاد.

ترسم الدراسة صورة نموذجية لمرشح الهجرة وتصفه كالتالي: “شاب، يتراوح عمره بين 15 و24 سنة، أعزب، متعلم وعاطل عن العمل يعيش في تونس العاصمة أو الشرق أو الجنوب الشرقي”. الغالبية العظمى منهم يوضحون أن دوافعهم مرتبطة بالبحث عن عمل وظروف معيشة أفضل.

أوروبا هي الوجهة المفضلة لسبعة من كل عشرة أشخاص يفكرون الهجرة، تليها أمريكا الشمالية والدول العربية. أكثر من 40٪ ذكروا أن فرنسا هي وجهتهم الرئيسية، وحوالي 14 بالمئة اختاروا إيطاليا و10 بالمئة ألمانيا.

حسب مبروكة خضير: “هناك حالات لا يتم فيها اختيار شاب درس وبذل مجهوداً لشغل وظيفة معينة، بينما يحصل شخص آخر بدون مؤهلات على العمل، لأن لديه أحد أقاربه في منصب توسط له، سواء في القطاع العام أو الخاص”. وتحتل تونس المرتبة 70 في تصنيف سنة 2021 بشأن الفساد من قبل منظمة الشفافية الدولية.

“لدى الآباء في تونس دائماً أمل في إرسال أبنائهم إلى الخارج بعد الثانوية العامة (البكالوريا). يعلمون أنه من الصعب تحقيق مستقبل جيد في تونس، وأعتقد أن غالبية الآباء يعلمون أن أبنائهم لن يعودوا للوطن بعد مغادرته”، تقول مبروكة خضير.

وفقاً للصحفية التونسية، فقد كانت الوجهة التقليدية للشباب التونسي بسبب التاريخ واللغة، هي فرنسا “لكن مؤخراً تصاعدت الصورة الإيجابية لدى الشباب عن ألمانيا أكثر فأكثر. ازدهار الإسلاموفوبيا في فرنسا، جعل الوجهة تتغير، إذ تظهر ألمانيا حالياً أكثر ترحيباً وتسامحاً”.

ومن بين الآباء التونسيين الذين يتواجد أبناؤهم في ألمانيا، محمد حدار، رئيس جمعية الاقتصاديين التونسيين. يحكي: “ابني في ألمانيا. لا أعتقد أنه سيعود، رغم أنه يحب تونس كثيراً. لا أعتقد أنه سيجد هنا وظيفة أو يكون قادراً على إنشاء مشروعه التجاري الخاص”. محمد حدار الذي كان عميداً سابقاً لكلية الاقتصاد والإدارة بتونس يقول: “من الصعب جداً أن تبدأ مشروعاَ تجارياَ في تونس، خاصة بسبب العقبات الإدارية. وبالنسبة للتمويل، البنوك لا تخاطر  وتطلب ضمانات لا يستطيع الشباب توفيرها لهم”.

عشرات الآلاف من الأطباء والمهندسين

يوضح الخبير الاقتصادي محمد حدار أن “الذين يغادرون بشكل قانوني ويجدون وظائف دون صعوبة في أوروبا هم أطباء ومهندسون وعلماء كمبيوتر”. وهذا ما يؤكده تقرير المرصد التونسي للهجرة في تقريره خلال الفترة 2015-2020، حيث هاجر ما لا يقل عن 39 ألف مهندس و3300 طبيب، بحثاً عن فرصة عمل في الخارج. وتشير الدراسة إلى أن “البناء والأشغال العامة والفنادق والمطاعم والتجارة تظل مصدر الوظائف الرئيسي للمهاجرين الحاليين” في الخارج.

بالنسبة لمحمد حدار “من الضروري تجنب الهجرة غير الشرعية. يمكن أن تكون الهجرة (المنظمة) حلاً لأوروبا وتونس معا. مع وجود العديد من الخريجين العاطلين عن العمل، يكون البلد مهدداً بمخاطر اجتماعية وسياسة. أما إذا غادروا، فيمكنهم أن يكونوا سفراء لبلدهم، ويرسلوا كذلك مالاً إلى تونس ويساعدوا عائلاتهم”.

معتز بن عامر، الموجود حالياً في ألمانيا، يتابع دورات اللغة لتحصيل مستوى اللغة الألمانية المطلوب للدراسات الجامعية. يقول “أود الحصول على درجة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر، أرى أنها مهنة مرغوبة وتتيح فرص عمل. لكن أيضا يمكن أن أختار مهنة العلاج الفيزيائي، ففي البلد الكثير من كبار السن الذين يحتاجون رعاية طبية، هناك الكثير من الخيارات في ألمانيا”.




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى