المقالات
هبه الصغير تكتب.. أوراق الورد وأحزان الحب

كتبت: هبه الصغير
توفى مصطفى صادق الرافعى فجر العاشر من مايو 1937 على سجادة صلاته عن عمر يناهز السابعة والخمسين وفى قلبه أمنيات لم تتحقق.
كان الكاتب المصري مصطفى صادق الرافعى من أنبغ أدباء جيله، وقد تميز أسلوبه بالمزج بين التعابير الفلسفية والتعابير الدينية، إذ كان متأثراً بالقرآن إلى حد بعيد. ونلاحظ ذلك فى كتابه "من وحى القلم" الذى تناول فيه بعض الموضوعات الدينية.
وبالرغم من النجاحات الأدبية التى حققها الرافعى، إلا أن ألمًا كبيراً استحوذ على قلبه. ذلك الألم كان حبه الجم لمى زيادة.
كانت الأديبة مى زيادة ذات الأصول الفلسطينية اللبنانية تعقد صالونًا أدبيًا فى بيتها بالقاهرة، يحضره مختلف الأدباء والكتاب، أعجب الرافعى بثقافتا ورقتها، ثم تحول هذا الإعجاب إلى حب.
لم يمنعه كونه متزوجًا ومسلمًا متدينًا، وكون مى زيادة فتاة مسيحية ومتحررة بمقاييس ذاك الزمان من أن يصل بهذا الحب إلى مرحلة الوله والولع بها.
إلى حد أنه كتب فيها كتابه الشهير "أوراق الورد"، الذى بث فيه من أشواقه لها، وحزنه على الفرقة التي دبت بينهما بسبب غيرته الشديدة عليها من بقية الأدباء الذين كانت تستضيفهم فى صالونها.
ارتقى الرافعى بمى فى ذلك الكتاب إلى أن جعلها فى منزلة الملائكة، انت لا تكاد تصدق حين تقرأ الكتب كم الأوصاف شديدة العذوبة التي وصفها بها، فهو لم يدع أى شىء جميل فى الأرض أو فى السماء إلا ووصفها به!
ذلك الرجل الذى يتحدث بخشونة مدافعًا عن بعض التقاليد العربية والموروثات الدينية فى كتابه "من وحى القلم"، تنسكب منه الرقة انسكابًا وهو يتحدث عن مى وروعتها وعشقه لها فى "أوراق الورد".
وبالرغم من أن مى لم ترد على رسائله بعد خلافهما إلا أن ذلك لم يمنعه من نشر ذاك الكتاب الذى كشف للوسط الأدبي كله عن مدى تتيمه بمى وحزنه الشديد لابتعادها عنه. لم يأخذه كبرياء الرجل الشرقي فيمنعه من مواصلة العطاء دون الأخذ، أو يجعله يتنكر لذلك الحب.
أما المفارقة فى هذه القصة، فهى أن مى كانت متيمة بجبران خليل جبران، مع انها لم تره قط، بل أحبته عبر الرسائل، وبالرغم من علاقاته النسائية المتعددة إلا أنه أحب مى حبًا منزهًا عن الشهوات اقتصر على تبادل الرسائل.
ظلت مى زيادة على هذا الوضع ولم تتزوج قط إلى أن ماتت، بينما ظل مصطفى صادق الرافعي يعشقها إلى أن توفى، وظلت الأحزان التي ضمها كتاب "أوراق الورد" شاهدة على ذلك العشق الذى لم يتوجه القرب أو الزواج أبدا.