أدب

وليام فوكنر ..أديب نوبل من إله المراعي إلي اهبط يا موسي مرورا بالبعوض


كتب: حسام خليل
كان فوكنر الشاب قارئاً نهماً، وقد أبدى منذ مراهقته شغفاً بالكتابة والتزاماً بحياة الكاتب، حيث كان يخطّ بيده كتباً مزينة برسوم توضيحية يوزّعها على أصدقائه، ومن بينها دواوين شعر ومسرحية واحدة على الأقل، وقصص وحكايات للأطفال.
يعتبر الروائي والشاعر ألامريكي وليام فوكنر واحداً من أكثر الكتاب تأثيراً في القرن العشرين، حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1949. كما نال جائزة پوليتزر في عام 1955 عن حكاية خرافية، وفي عام 1963 عن الريفرز. تتميز أعمال فوكنر بمساحة ملحوظة من تنوع الأسلوب والفكرة والطابع. 
ولد فوكنر في نيو ألباني، مسيسيپي، 25 سبتمبر 1897 ، وقضى معظم حياته في أكسفورد، بنفس الولاية. في عام 1929 تزوج إستيلا أولدهام التي كان يعرفها منذ الطفولة. عمل كاتبا سينمائيا لسنوات في هوليوود وكان هذا من عام 1932 إلى غاية عام 1945.
يُعَدُّ وليم فوكنر من أبرز الوجوه في الأدب الأمريكي والعالمي المعاصر. كتب روايات وقصصاً تجمع في سردها بين تيار الوعي، والابتكارات اللغوية، والرسم الحيّ للشخصيات، وتعدد زوايا النظر، والانزياحات الزمنية ضمن السرد. حاز جائزة نوبل للأدب في العام 1949، وجائزة الكتاب الوطنية لعام 1951، وجائزة بولتيزر مرتين في العامين 1959 و1963. ولِدَ فوكنر في مدينة نيو ألباني New Albany، وتوفي في أكسفورد، مسيسيبي في الجنوب الأمريكي. وخلال ثلاثة عقود ونيّف من العمل نشر تسع عشرة رواية، وأكثر من ثمانين قصة، وديوانين من الشعر، وعدداً كبيراً من المقالات. حاول فوكنر بعد الحرب العالمية الأولى الدراسة في جامعة مسيسيبي إلا أن إقامته فيها لم تطل، وعلَّمَ نَفسه الفرنسية ليقرأ الشعراء الفرنسيين بودلير وفيرلين ومالارميه. تزوج عام 1929 إستل أولدم Estelle Oldham حب شبابه، وكان منتصف الخمسينيات أسعد فترة في حياته قضاها كاتباً مقيماً في جامعة فرجينيا بالقرب من ابنته وأحفاده.

تمثّل مقاطعة يوكناباتوفا مسرح الأحداث الأساسي في أعمال فوكنر، وهي منطقة متخيّلة لكنها ترتبط بقوة بالأماكن التي عاش فيها والأشخاص الذين عرفهم. وكانت عائلة فوكنر قد تركت أثراً مهمّاً في تاريخ ولاية مسيسيبي، فأحد أجداده (وهو النموذج الذي صاغ على غراره شخصية جون سارتوريس J.Sartoris في عدد من رواياته) كان محامياً وجندياً ورساماً وبانياً للسكك الحديدية وشاعراً وروائياً. وقد ترعرع فوكنر محاطاً بعائلة مأخوذة بالتقاليد، والقصص المحلية، والحكمة الشعبية، والفكاهة الريفية، والروايات البطولية والمأساوية عن الحرب الأهلية الأمريكية. وجاءت حياته وأعماله نوعاً من الشهادة على التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي طرأت على الجنوب الأمريكي.

ولم تقتصر سنوات فوكنر الأولى على الريف الجنوبيّ الذي صاغه في النهاية على هيئة يوكناباتوفا. فقد تلقى تدريباً في تورنتو كطيار مقاتل في سلاح الجو الملكي الكندي في الحرب العالمية الأولى. واستوعب التأثيرات الحداثية التي كانت تغيّر وجه الفن والأدب في القرن العشرين. ففي أواسط العشرينيات، عاش بين الكتّاب والفنانين في الحيّ الفرنسي في مدينة نيو أورلينز بولاية لويزيانا، وحظيت كتابته القصصية هناك بالتشجيع، خاصةً من قبل الكاتب شروود أندرسن S.Anderson الذي شكّل عمله «واينزبرگ، أوهايو» Winesburg Ohio، عماد الحداثة الأمريكية. وكان فوكنر قد جاء إلى نيو أورلينز بعد أن أصدر ديواناً بعنوان «الفاون» أو «إلـه المـراعي المرمريّ» The Marble Faun عـام (1924)، وهناك أتمّ روايـته الأولى «جعالة الجندي» Soldier’s Pay عـام (1926)، وتدور حـول طيار يعود جريحاً ليموت في وطنه. أما روايتـه الثانيـة «البعوض» Mosquitoes عام (1927) فتحكي عن حياةٍ بوهيمية كان فوكنر قد رصدها في نيو أورلينز. وبعد سَفَرٍ إلى الخارج عاد فوكـنر، إلى أكسفورد، بنصيحة من أندرسن، ليبدأ عقداً لافتاً من الكتابة. وكانت روايته «سارتوريس» Sartoris عام (1928) أول اكتشاف كبير لمقاطعة يوكناباتوفا التي ظلّ يطوّرها قصصياً في الأربعة والعشرين عاماً اللاحقة.


 
مثّلت رواية فوكنر التالية «الصخب والعنف» أو «الهرج والمرج» The Sound and the Fury عام (1929) تقدّماً مذهلاً في كتابته، من حيث تمكّنه من مادته، وقدرته على اتّباع مجموعة غنية من الأساليب، والتواصل مع التقانات والأفكار الحداثية التي شاعت آنئذ في الأدب والفن، ومنذ ذلك الحين، راح يجرّب الأشكال الجديدة في كتابة السرد. ففي روايته «بينما أرقد في حضرة الموت»As I Lay Dying عام (1930) يستعرض فوكنر إمكاناته الكتابية في ميدان تيار الوعي. أما في «أبشالوم أبشالوم!» Absalom¨ Absalom! عام (1936) فنجد التعقيد الفخم. ومن رواياته الأخرى كلٌّ من «الملاذ»Sanctuary عام (1931) و«نور في آب» Light in August عام (1932) و«اهبط يا موسى» Go Down Moses عام (1942)، و«حكاية» A Fable عام (1945) وهي أطول رواياته، فضلاً عن عدد كبير من القصص القصيرة، أهمّها «الدبّ» The Bear و«وردة لإميلي» A Rose for Emily.

تشتمل أعمال فوكنر على دراما نفسية وعمق انفعالي، وتجمع بين التجريب التقني والتشخيص البارع واللون المحلي البارز، وهو ما يبدو جليّاً في ثلاثيته الضخمة المؤلفة من «القرية» The Hamlet عام (1940)، و«البلدة» The Town عام (1957) و«البيت» The Mansion عام (1959) التي تحكي قصة تسلق عائلة سنوبس Snopes السلم الاجتماعي. وقد استخدم فيها الكاتب كامل خبرته وبراعته الوصفية في تقديم صورة للجنوب الأمريكي لا تخلو من النظرة المأساوية إلى الأشياء، إلا أنها في الوقت ذاته حافلة بالدفء وروح النكتة التي تتمتع بها الحكاية الشعبية الجنوبية، إضافة إلى استخدامه اللغة العامية المحلية في السرد مما يشكَّل عبئاً على القارئ إلا أنه يضفي الواقعية على الأحداث. كذلك كان فوكنر ليبرالياً في تطرقه لموضوع العلاقة بين الأعراق بالرغم من تمسكه بالتقاليد والقيم الجنوبية، التي كانت تصل في الكثير من الأحيان درجة التزمت. يمكن النظر إلى مؤلفات فوكـنر، على تنوع أساليبها، على أنها وحـدة عضوية متكاملة؛ فروايته الممسرحـة «ترتيلة من أجل راهبة» Requiem for a Nun عام (1951) ما هي إلا تتمة لروايته «الملاذ»، وما مؤلفه الأخير «اللصوص» The Reivers إلاَّ خاتمة هادئة وسعيدة لإبداع كاتب أميركي سار على خطى جويس ووولف وبروست.

واستلهم فوكنر معظم أعماله من مسقط رأسه، ولاية ميسيسپي، حيث يعد أحد أهم كتاب الأدب الجنوبي بالولايات المتحدة، بجانب مارك توين، وروبرت بين وارين، وفلانري أوكونور، وترومان كابوت، وتوماس وولف، وهارپر لي، وتنسي وليامز. وكان فوكنر قليل الشهرة قبل فوزه بجائزة نوبل للأدب لعام 1949، بالرغم من أن أعماله نشرت منذ 1919، وفي عشرينات وثلاثينات القرن العشرين. هذا، ويعتبره البعض الآن أعظم روائي في التاريخ.









 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى