العالم

العدالة الدولية على المحك.. هل تُحاسب القوى الكبرى كشركاء في جرائم غزة؟ 

في تطور اعتبره خبراء القانون الدولي حدثًا غير مسبوق في تاريخ القضاء الدولي، حذّر البروفيسور ويليام شاباس، أستاذ القانون الدولي بجامعة ميدلسكس البريطانية وأحد أبرز الخبراء العالميين في القانون الجنائي الدولي، من أنّ دولًا غربية كبرى ـ في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا ـ قد تواجه مسؤولية قانونية بصفتها متواطئة في جريمة الإبادة الجماعية التي تُتهم إسرائيل بارتكابها في غزة.

في تطور اعتبره خبراء القانون الدولي حدثًا غير مسبوق في تاريخ القضاء الدولي، حذّر البروفيسور ويليام شاباس، أستاذ القانون الدولي بجامعة ميدلسكس البريطانية وأحد أبرز الخبراء العالميين في القانون الجنائي الدولي، من أنّ دولًا غربية كبرى ـ في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا ـ قد تواجه مسؤولية قانونية بصفتها متواطئة في جريمة الإبادة الجماعية التي تُتهم إسرائيل بارتكابها في غزة.

جاءت تحذيرات شاباس في مقابلة حصرية مع المركز الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية (ESPC)، حيث وصف أزمة غزة بأنها “امتحان لمصداقية العدالة الدولية”، مُؤكّدًا أن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل تمثل أقوى قضية إبادة جماعية تُعرض على المحكمة منذ تأسيسها.

وقال إن ما يعزّز قوة هذه الدعوى هو توافر أدلة على النية الإبادية، سواء في السلوك العسكري الإسرائيلي أو في التصريحات الرسمية، مثل إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت عن قطع الغذاء والماء والكهرباء عن سكان القطاع، وهو ما يُشير بوضوح إلى قصد مُتعمّد لإبادة جماعية.

وأوضح شاباس، أن المسؤولية لا تقع على إسرائيل وحدها، بل قد تطال الدول الداعمة لها عسكريًا وسياسيًا وماليًا، واستند إلى المادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام ١٩٤٨، التي تجرّم التآمر والتحريض والتواطؤ، إلى جانب التنفيذ المباشر للجريمة.

ويرى مراقبون أن الدعم الأمريكي لإسرائيل، سواء عبر صفقات السلاح أو عبر استخدام حق النقض في مجلس الأمن، إضافة إلى صادرات ألمانيا العسكرية المتزايدة، قد يرقى إلى مستوى “المساعدة الجوهرية”، بما يضع تلك الدول في دائرة المسؤولية القانونية، حتى لو ادعت اعتمادها على “ضمانات إسرائيلية” بعدم إساءة استخدام الدعم.

وأكد شاباس، أن هذه القضية تشكّل اختبارًا حاسمًا لمصداقية محكمة العدل الدولية، فإذا عجزت المحكمة عن مساءلة الدول المتورطة بحكم قوتها السياسية أو نفوذها العالمي، فسيترسخ ما وصفه بـ”نظام العدالة المزدوج” الذي يطبق قواعد صارمة على دول ضعيفة، ويتساهل مع قوى كبرى.

ويحذّر خبراء من أن نتائج القضية قد تخلق سابقة قانونية خطيرة، لأنها لا تقتصر على محاسبة دولة متهمة مباشرة بارتكاب إبادة، بل تفتح الباب أمام مساءلة حلفائها وداعميها، بما قد يعيد صياغة مفهوم المسؤولية الدولية عن الجرائم الجماعية في النظام العالمي الراهن.

إبادة جماعية أم تطهير عرقي؟
ويرى شاباس، أن فرص فوز جنوب إفريقيا في هذه القضية قوية، مرجّحًا أن تُدان إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وأوضح أن التصريحات السياسية المتطرفة والسلوك العسكري على الأرض يوجهان سياسة إسرائيل نحو القضاء على الوجود الفلسطيني في غزة، بحسب تعبيره.

وأشار إلى أن مصطلح “التطهير العرقي” لا يُعتبر جريمة منصوصًا عليها في الاتفاقيات الدولية، لكنه يُستخدم لوصف ممارسات تقترب من الإبادة، وأوضح أن الفاصل بين المفهومين ليس واضحًا دائمًا، إذ قد يتحول التطهير العرقي في ظروف مُعينة إلى إبادة جماعية مُكتملة الأركان.

اتهم شاباس القوى الغربية الكبرى بأنها تتحمل قسطًا من المسؤولية عن فشل الأمم المتحدة في وقف الجرائم والانتهاكات ضد الفلسطينيين، مُؤكدًا أن مواقف هذه الدول كبّلت قدرة المنظمة الدولية على التحرك الفعّال.

وقال إن الأمم المتحدة تسترشد في نهاية المطاف بمواقف الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، إضافة إلى بريطانيا وفرنسا، بينما لعبت دول مثل ألمانيا وكندا وأستراليا دورًا في توفير دعم ثابت لإسرائيل، وهو ما حال دون اتخاذ إجراءات رادعة.

الاحتلال غير القانوني يسقط ذريعة الدفاع عن النفس
لفت شاباس، إلى أن هذا الانحياز ليس جديدًا، بل يمتد جذوره إلى الانتداب البريطاني على فلسطين عقب الحرب العالمية الأولى، فبريطانيا ـ على حد قوله ـ كانت تسعى إلى النفوذ والسيطرة في المنطقة، وشجعت المشروع الصهيوني قبل الانتداب وأثناءه، تمهيدًا لإقامة دولة استيطانية تضمن هيمنتها.

وأكد أن هذا النهج استمر مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الذين يرون في إسرائيل الحليف الأكثر موثوقية للحفاظ على مصالحهم الاستراتيجية في الشرق الأوسط، في مقابل تحالفات عربية لا يحظى أصحابها بالاعتماد نفسه.

وتطرّق شاباس إلى ذريعة «الدفاع عن النفس» التي ترفعها إسرائيل لتبرير عدوانها، وتتبناها دول مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، لكنه شدّد على أن الاحتلال غير القانوني لغزة يسقط هذه الحجة تمامًا، مشبهًا الوضع بـ”سارق بنك يطلق النار على الشرطة ثم يدّعي الدفاع عن نفسه”.

جدّد شاباس، التأكيد على أن المادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية تنص بوضوح على تجريم التواطؤ، معتبرًا أن الدعم الأمريكي والألماني يضعهما في خانة الشركاء في الجريمة، وذكّر بأن نيكاراجوا رفعت بالفعل دعوى ضد ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية حول هذه النقطة.

ولم يوفر شاباس أوروبا من النقد، واصفًا مواقفها بأنها تكشف عن “نفاق عميق”، إذ لا تطبّق المعايير ذاتها على غزة وأوكرانيا (في سياق الحرب الروسية الأوكرانية)، لكنه استثنى دولًا مثل إيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا، التي أبدت مواقف أكثر استقلالية ومبدئية تجاه القضية الفلسطينية.

وفي ختام تصريحاته، شدّد شاباس على أن أحكام المحاكم الدولية لا تساوي شيئًا ما لم تُنفذ، وأضاف: “المحاكم تصدر القرارات، لكن التنفيذ يعتمد على الدول والمنظمات الدولية، والاختبار الحقيقي هو: هل ستلتزم هذه الدول باعتقال مسؤولين مثل نتنياهو أو جالانت إذا سنحت الفرصة؟”.

الحياة نيوز موقع إخباري شامل يهتم بتغطية كافة الأحداث على المستوى الدولي والمحلي ورصد أهم الأخبار والاقتصاد أسعار الذهب ،البورصة المصرية ،أخبار الرياضة ،محافظات ، حوادث ، أخبار التعليم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى