مصر تجمع فرقاء السودان| خطة القاهرة لتحييد التدخلات الخارجية لإشعال الصراع
دخلت الحرب الدائرة فى السودان عامها الثانى دون أمد سياسى لوقفها حتى الآن مع تمدد المعارك التى تركزت فى البداية على العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور غربَا، لتصل الآن إلى غالبية المناطق بما فيها الوسط والجنوب وتقترب من إقليم الشرق الذى تتحصن فيه الحكومة السودانية، وكذلك أجزاء من الولايات الشمالية القريبة من مصر، وفى ظل قناعة راسخة بأن هناك من ينفخ فى الحرب ويزيد لهيبها بحثًا مكاسب سياسية واقتصادية وتعمل على محاولة ضرب موازين القوى الراسخة فى المنطقة عبر إلحاق كوارث أمنية وإنسانية بملايين السودانيين الذين يفرون هاربين من ويلات الصراع.
◄ خسائر الحرب تفوق ما يحدث في غزة ..والدعاية الأمريكية تسلط الأضواء على جرائم إسرائيل
ومنذ اندلاع الحرب، بل ومن قبل انطلاقها تسعى مصر للوصول إلى تفاهمات سياسية بين الفرقاء السودانيين بهدف الوصول إلى نقطة الاستقرار التى تضمن بقاء تماسك الدولة السودانية وتحافظ على وحدة وسلامة أراضيه، ويمكن النظر إلى مؤتمر القوى السياسية السودانية الذى حمل عنوان «معاً لوقف الحرب فى السودان» واستضافته القاهرة مطلع هذا الأسبوع على أنه ضمن هذه الخطوات التى لم تتوقف عند حدود المؤتمر ومن المتوقع أن تتزايد وتيرة العمل المصرى لإنهاء الصراع القائم ومحاولة تحييد الدعم الإقليمى والدولى المقدم إلى أطرافه نحو مزيد من إشعال الصراع.
◄ حل سوداني
لعل ذلك ما يظهر واضحًا فى الكلمة الافتتاحية التى ألقاها وزير الخارجية بدر عبدالعاطى وتحدث خلالها عن أن «أى حل سياسى حقيقى للأزمة فى السودان لابد وأن يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم، ودون إملاءات أو ضغوط خارجية وبتسهيل من المؤسسات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والدول الشقيقة والصديقة المهتمة بالسودان».
وأكدت القوى السياسية والمدنية السودانية التى شاركت فى مؤتمر القاهرة أنها ناقشت ضرورة الوقف الفورى للحرب بما يشمل آليات وسبل ومراقبة الوقف الدائم لإطلاق النار ووقف العدائيات.
كما أكدوا ضرورة الالتزام بإعلان جدة والنظر فى آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب. وتوجه المؤتمرون بالدعوة والمناشدة إلى الدول والجهات الداعمة لأطراف الحرب بأى من أشكال الدعم المباشر وغير المباشر، للتوقف عن إشعال المزيد من نيران الحرب فى السودان.
واتفقوا على «أن الحرب التى اجتاحت السودان وقتلت وشردت وأذلت شعبنا ومزقت نسيج بلادنا الاجتماعى، صبيحة الخامس عشر من أبريل 2023، لا تمثل فقط علامةً فارقةً ولكنها تاريخٍ جديد يُلزم كل سودانى وسودانية بالنظرِ والمراجعةِ الدقيقةِ لمواقِفنا كافة. إننا ندين كل الانتهاكات التى ارتكبت فى هذه الحرب، ونؤكد أنّ الحربَ مُؤشر حيوى للتفكير فى إعادة التأسيس الشامل للدولة السودانية على أسس العدالة والحرية والسلام، وهو الأمر الذى يتطلب قناعة كل السودانيين به، ولهذا فإن اجتماعنا اليوم يتوجه تِلقاء المستقبل المعافى ولأجيالنا المُقبلة فى وطنٍ يكتنِفه السلام والعدالة والنهضة والحرية وسيادة حكم القانون، مستفيدين من تجاربنا وخبرات شعوب العالم فى تجاوز الحرب وأهوالها نحو المصالحة الوطنية الشاملة والعدالة الانتقالية».
◄ مكمن الأخطار
وتكمن خطورة استمرار الحرب السودانية فى أن المؤسسة العسكرية التى تشكل أسس تماسك الدولة تدخل فى حرب عصابات مع مجموعات مسلحة لديها خبرات فى حروب المدن التى تبرع فيها قوات الدعم السريع واستطاعت بفعل هذا الأمر أن تتمدد فى ولايات عدة بوسط السودان وكذلك سيطرتها على جميع ولايات إقليم دارفور باستثناء العاصمة الفاشر، وكذلك الاتجاه جنوبًا بالقرب من دولة جنوب السودان والآن مع تواجدها فى ولاية سنار تبقى على مقربة من شرق السودان، وبالتالى فإن الخطورة تنبع من أن مؤسسات الدولة الوطنية تواجه إضعافًا ممنهجًا قد يبقى لديه تأثيراته على احتمالات طول الصراع والارتكان إلى مناطق خاضعة لسيطرة كل طرف والدخول فى مأزق وجود أكثر من حكومة وأكثر من جيش مع تنامى نفوذ الجماعات المسلحة التى تجد بيئة خصبة لتقوية نفسها.
ويشكل السودان موقعا جيوستراتيجيا مهما لأنه يتواجد على ساحل البحر الأحمر الذى يشهد تنافسًا أمريكيًا روسيًا على التواجد فى تلك المنطقة، وتسعى موسكو لتوظيف التوتر القائم لتنفيذ اتفاق سابق مع نظام الرئيس السابق عمر البشير بشأن تدشين قاعدة عسكرية او نقطة تواجد لها يشكل تهديداً للمصالح الأمريكية فى منطقة البحر الأحمر، وهو ما تحاول الولايات المتحدة عرقلة بسبل عدة، وبالطبع يترك ذلك تأثيراته على مسارات الحرب القائمة وكيفية التدخل لوقفها.
وكذلك فإن حدود السودان المترامية على عدد من الدول الجوار فى مقدمتها مصر وإثيوبيا وإريتريا وتشاد وليبيا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وكينيا وأوغندا، يجعل هناك فرصة مواتية لأطراف إقليمية تسعى للتمدد إفريقيا لخلق مناطق نفوذ لها فى السودان تنطلق من خلالها إلى تلك الدول أو على الأقل تجد نقاط تأثير وضغط تمكنها من خلخلة موازين القوى فى شمال وشرق القارة الإفريقية وكذلك بالتبعية فى منطقة الشرق الأوسط التى تشهد صراعات موازية.
◄ التدخل الدولي
ويرى منسق المبادرة الشعبية لتعزيز العلاقات المصرية – السودانية السفير على يوسف الشريف، أن مصر تعد الدولة الوحيدة التى ترتبط مصالحها بوحدة وقوة واستقرار السودان وأن بقية الأطراف لديها مصالح مختلفة حول قضايا السودان، كما أن الأمن القومى المصرى يرتبط بأمن وسلامة ووحدة السودان، ولذلك فإن القاهرة تبذل جهودا فاعلة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء للتوصل إلى اتفاق أو خارطة طريق لمعالجة الأزمة السودانية، وأن مؤتمر القاهرة تنبع أهميته من كونه يشكل المرة الأولى التى يجتمع فيها الفرقاء فى مكان واحد.
وأضاف أن استكمال مهمة مؤتمر القاهرة من المتوقع أن يكون من خلال لجنة السلم والأمن الإفريقى التى من المقرر أن تنعقد فى أديس أبابا فى الفترة ما بين 10 يوليو الجارى وحتى 15 من الشهر ذاته، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق فى هذا الاجتماع فإن التوجه نحو التدخل الدولى فى السودان سيكون حتميًا، وأن ذلك يخدم المؤامرات التى تحاك ضد السودان، لافتًا إلى أنه إن لم تفلح جهود عقد اجتماع مباشر بين قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وبين قائد المليشيات المتمردة محمد حمدان دقلو فإن الاتحاد الإفريقى لن يبقى بيده سوى إحالة الأزمة إلى مجلس الأمن، الأمر الذى يفتح أبواب التدخل الدولى.
واعتبر أن تدخل مجلس الأمن بمثابة كارثة كبيرة على السودان ولديه انعكاساته السلبية على أمنه واستقراره، وأن الطريقة الوحيدة لتحجيم الصراع الحالى وإنهائه تتمثل فى اتفاق الأطراف السودانية والوصول إلى خارطة طريق لوقف الحرب، والأمر يتوقف على مدى التوافق السودانى السودانى، وفى حال اتخذ السياسيون قراراً برفض التدخلات الخارجية التى تدعم استمرار الحرب، وأن المشكلة تتمثل فى أنه لا يوجد اتفاق كلى على رفض الاستعانة بمساعدة الخارج.
وشدد على أن الحرب الحالية تشكل تهديدا حقيقيا لوحدة وسلامة السودان، وأن المتابع لما تقوم به مليشيات الدعم السريع يرى بأنها تعمل على تدمير الدولة السودانية بشكل ممنهج وأن قدرتها على ذلك من المستحيل أن تكون ناتجة لقوتها فقط أو لضعف المؤسسة العسكرية لكن هناك وضوح أيضَا لوجود مؤامرة تقودها بعض الأطراف الدولية لإضعاف الدولة السودانية وتفكيكها، وهناك دول وأطراف حول السودان لديها مصلحة فى ذلك، وهى تدعم قوات الدعم السريع وتمدهم بالمرتزقة وهو ما يشكل خطراً كبيراً على السودان وعلى الدول التى تعد جزءاً من مخطط تدمير الدولة السودانية وبينها مصر.
ومن جانبه أكد المهندس إمام الحلو، رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومى، أن الحرب الدائرة فى السودان الآن هى نتيجة التباينات فى المشهد العام والتى لديها جذور وخلفيات تاريخية مرتبطة ببنية المجتمع والثقافة السودانية والموقع الإستراتيجى للسودان والتى تظل بعد الانفصال جزءا عزيزا منه وهو الجنوب بوابة لشرق وغرب وجنوب إفريقيا، وهو ما يقود لتداخل المصالح الدولية ويخلق التباينات بين القوى العظمى نتيجة لهذا الموقع.
◄ آلية الحوار
ومن جانبه أكد نائب رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية، السفير صلاح حليمة، أن مؤتمر القاهرة نجح لأول مرة فى جمع الفرقاء السودانيين الذين استجابوا للدعوة المصرية وعد ذلك معبراً عن وجود توافق على ضرورة وقف إطلاق النار واتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان الوصول إلى هذا الهدف ودعوة الدول الداعمة للأطراف المتصارعة بأن تتوقف عن هذا الدعم حتى لا تتواصل الحرب، مشيراً إلى أن المؤتمر تطرق إلى الخدمات الإنسانية المقدمة للمدنيين فى السودان، وكذلك الاهتمام بموضوعات التعليم، إلى جانب التطرق إلى الجانب السياسى الذى شهد الجزء الأكبر من التباينات بين حاضرى المؤتمر.
وأضاف أن تدشين آلية لمواصلة الحوار بين السودانيين يعد لبنة إيجابية يمكن البناء عليها فى فترات لاحقة سواء كان ذلك من خلال عقد اجتماعات أخرى فى القاهرة أو من خلال آليات أخرى عربية وإفريقية تدعم التواصل بين الفرقاء السودانيين.
وفى المقابل لا يرى المهندس إمام الحلو أن هناك تهديدا لوحدة السودان فى الوقت الحالى وذلك بفعل مكوناته المتداخلة اجتماعيًا وثقافيًا ويعتبر أن ما يحدث الآن يختلف عن قضية انفصال الجنوب، وليس من المتوقع أن تبقى مناطق سيطرة الجيش أو قوات الدعم السريع دولتين مختلفتين وليس هناك مقومات لدى كل منهما للإعلان عن دولة خاصة به، وأن الحرب فى جميع الحالات سوف تنتهى وأن المشردين سيعودون إلى منازلهم بعيداً عن مساعى إطالة أمد الحرب.
ويوضح القيادى البارز بحزب الأمة وهو أكبر الأحزاب السودانية، أن الحرب فى غزة مأساة كبيرة وأن الشعب الفلسطينى يواجه احتلالا غاشما لكن ما يحدث فى السودان هو مأساة أكبر وفاقت أضعاف الضحايا فى غزة، كما أن مساحة الحرب نفسها أضعاف مساحة الحرب فى غزة، ولذلك تأثيراتها على دول المنطقة القريبة من السودان كبيرة، مشيراً إلى أن الرعاية الأمريكية لإسرائيل فى حربها تجعل التركيز على هذه الحرب أكبر مما يحدث فى السودان.
◄ أكثر من غزة
وشدد على أن مآسى حرب السودان تفوق ما يحدث فى غزة وهناك أكثر من 150 ألف ضحية ما بين قتيل وجريح وهناك 2 مليون لاجئ و24مليون مواطن مهددون بالمجاعة وأكثر من 10 مليون نازح، وهو ما يجعل الحرب الحالية غير مسبوقة على مستوى المنطقة.
ولفت إلى أن ما يمنع وقف القتال هو الإمداد اللوجيستى من الخارج لطرفى الصراع، وأنهما ليس لديهما من القدرات العسكرية والبشرية التى تجعل كلاً منهما قادراً على الاستمرار فى الحرب، إن توقف المعارك الدائرة يتطلب إنهاك القوات المتقاتلة وسد منافذ وصول الإمدادات وكسر نظام الدعم اللوجيستى القائم بمقاومة شعبية تبرهن على رفض الحرب بما يؤدى لعدم وجود حواضن تدعو لاستغلال الحرب لصالحها، كما أن الطرفين لابد أن يصلا لمرحلة الإدراك بأن أى مكاسب عسكرية ستكون كلفتها أعلى من الخسارة وحينما يصل الطرفان لهذه المرحلة فإن الحرب من الممكن أن تقف.