العالم

فورين بوليسي: تخطيط بايدن للانسحاب من سوريا كارثي

في المنطقة بعد الحرب الإسرائيلية على حماس، والأزمة الإقليمية التي ترافقها.


 مع ذلك، يجب أن يكون هناك قلق كبير من أن سياسة الإدارة قد تنطوي على انسحاب كامل للقوات الأمريكية من سوريا. بينما لم يتم اتخاذ قرار نهائي بالانسحاب، قالت 4 مصادر داخل وزارتي الدفاع والخارجية إن البيت الأبيض لم يعد مهتماً بمواصلة المهمة، التي يرى أنها غير ضرورية، وتجري الآن مناقشات داخلية نشطة لتحديد كيف ومتى يمكن أن يتم الانسحاب.

وكتب ليستر في مجلة “فورين بوليسي” أنه علاوة على التأثير الكارثي الذي قد يخلفه الانسحاب على نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في الأزمة غير المحلولة والمتقلبة بشدة في سوريا، سيمثل أيضاً هدية لتنظيم داعش الإرهابي، وبالرغم من ضعف التنظيم الإرهابي بشكل كبير، يبقى أنه مهيأ واقعياً للظهور من جديد في سوريا، إذا أتيحت له المساحة لذلك.


كان التدخل الدولي غير المسبوق الذي أطلقته الولايات المتحدة وأكثر من 80 دولة شريكة سنة 2014 لهزيمة داعش ناجحاً بشكل ملحوظ، مع تحرير الجيب الأخير من الأراضي في سوريا أوائل سنة 2019. في العراق أيضاً، اختفى داعش تقريباً، وتدهور إلى درجة أنه في 2023، بلغ متوسط عدد الهجمات التي شنها تسعة هجمات شهرياً فقط، بانخفاض عن نحو 850 هجوماً شهرياً سنة 2014.

لكن الوضع في سوريا المجاورة أكثر تعقيداً. مع وجود ما يقرب من 900 جندي على الأرض، تلعب الولايات المتحدة دوراً فعالاً في احتواء وإضعاف تمرد مستمر لداعش في شمال شرق سوريا، وهي تعمل جنباً إلى جنب مع شركائها المحليين في قوات سوريا الديمقراطية. مع ذلك، لا يزال التهديد قائماً.


في وقت مبكر من 16 يناير ، شن تنظيم داعش هجوماً صاروخياً على سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية يضم ما يصل إلى 5 آلاف سجين من التنظيم، مما أدى إلى محاولة هروب جماعية. بينما تم إحباط هذه العملية في نهاية المطاف، يلعب الانتشار الأمريكي أيضاً دوراً حيوياً في تحقيق الاستقرار في المنطقة التي يتم فيها احتجاز 10 آلاف عنصر من مقاتلي داعش المتمرسين في القتال داخل ما لا يقل عن 20 سجناً مؤقتاً، كما يتم احتجاز 50 ألفاً آخرين من النساء والأطفال المرتبطين بهم في معسكرات آمنة.

في حين تمكنت القوات الأمريكية وشركاؤها في قوات سوريا الديمقراطية من احتواء تعافي تنظيم داعش في شمال شرق سوريا، يبقى الوضع أكثر إثارة للقلق ناحية الغرب – على الجانب الآخر من نهر الفرات، حيث تبسط الحكومة السورية سيطرتها، أقله على الورق.


في هذه المساحة الشاسعة من الصحراء، انخرط تنظيم داعش في تعافٍ بطيء لكن منهجي مستغلاً عجز الحكومة عن تحدي التمرد المتقلب القائم في الصحراء. في السنوات القليلة الماضية، أعادت الجماعة الإرهابية أيضاً تأسيس وجود عملاني لها في درعا التي تسيطر عليها الحكومة في جنوب سوريا، ووسعت بشكل ملحوظ حجم ونطاق وتعقيد عملياتها في جميع أنحاء الصحراء الوسطى، حيث استولت موقتاً على أراض مأهولة بالسكان، وسيطرت على مرافق للغاز واحتفظت بها، ممارسة ضغطاً كبيراً حول مدينة تدمر الاستراتيجية.


في شرق ووسط سوريا، عاد نفوذ الظل لتنظيم داعش. أعادت المجموعة تأسيس عملية ابتزاز معقدة، حيث انتزعت من الجميع ما يسمى بالضرائب، بدءاً بالأطباء وأصحاب المتاجر وصولاً إلى المزارعين وسائقي الشاحنات. ومع تواتر متزايد، يصدر داعش طلبات ابتزاز مخصصة بناءً على المعرفة المكتسبة بتدفقات إيرادات الأعمال المحلية. في بعض الحالات، يتم إصدار إيصالات تحمل علامة داعش عند الحاجة، ويتم إرسال التهديدات إلى الهواتف المحمولة والأقارب.

وفي حين أن الكثير من هذا النشاط كان يركز في البداية على المناطق الريفية في سوريا، فإنه أصبح الآن حضرياً. وفي العديد من المناطق الريفية، يتم الاعتراف بتنظيم داعش بشكل متزايد باعتباره سلطة ظل. قد لا تتصدر هذه الأنشطة الأقل وضوحاً عناوين وسائل الإعلام، لكنها تمثل المكونات الأساسية لتمرد إرهابي مرن ومتجذر بعمق.

على مدى السنوات العديدة الماضية، أخفى داعش عمداً مستوى عملياته في سوريا، واختار باستمرار عدم إعلان مسؤوليته عن الهجمات التي كان ينفذها. لكن، بفعل الحرب التي شنتها إسرائيل ضد حماس في غزة، بدأ داعش، للمرة الأولى، بالكشف عن مدى تعافيه في سوريا ليراه الجميع. يتغذى داعش على الفوضى وعدم اليقين ولا يوجد نقص بذلك في الشرق الأوسط هذه الأيام.



عمليات إرهابية أخرى


نفذ التنظيم 35 هجوماً وأعلن مسؤوليته عنها في سبع من محافظات سوريا الأربع عشرة في الأيام العشرة الأولى لسنة 2024، وذلك من أصل 100 هجوم في جميع أنحاء العالم. وفي حين أن تنظيم داعش لا يزال بعيداً عما كان عليه سنتي 2013 و2014، يحتفظ التنظيم بقدرات مثيرة للقلق والكثير من الثقة، وبشعور جديد بالزخم. إن الحرب في غزة والأزمة الإقليمية المتصاعدة تصب الزيت على ناره وتولّد الفرص أمام المجموعة الإرهابية لاستغلال الوضع لمصلحتها.

علاوة على ذلك، بدأت حملة الترهيب والهجمات التي يشنها داعش تؤتي ثمارها في وسط سوريا، حيث تتآكل الروح المعنوية داخل ميليشيات الحكومة المحلية. في جميع أنحاء البادية السورية، أو الصحراء الوسطى، أولى التنظيم اهتماماً مستمراً بمهاجمة قوات أمن الحكومة على طول الطرق الرئيسية وخارج الشبكة الواسعة من منشآت النفط والغاز في المنطقة. وقد ازداد حجم تلك الهجمات وتعقيدها بشكل ملحوظ سنة 2023، وكذلك مدى فتكها. ووفقاً لمشروع مكافحة التطرف، نفذ داعش في 2023 وحدها ما لا يقل عن 212 هجوماً في المنطقة الصحراوية الوسطى في سوريا، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 502 ضحية. ومع تزايد التهديدات السرية والهجمات العلنية، تظهر تقارير بشكل متزايد فراراً من صفوف القوات الحكومية.

في حين أنه ليس هناك الكثير الذي يمكن للقوات الأمريكية أن تفعله لتغيير أنشطة داعش داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا، تظل القوات الأمريكية الغراء الذي يجمع التحدي الوحيد المهم لداعش داخل ثلث الأراضي السورية. وإذا اختفى هذا الغراء، فسوف يكون من المؤكد حدوث عودة كبيرة لداعش في سوريا وامتداد زعزعة الاستقرار إلى العراق.



بين العراق وسوريا


في كثير من النواحي، يشكل العراق أهمية أساسية، إذ يقع المقر الرئيسي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش على الأراضي العراقية. لكن وسط أعمال عدائية غير مسبوقة بين وكلاء إيران والقوات الأمريكية في العراق، ومع عودة الضربات الأمريكية الانتقامية إلى بغداد واستهداف الصواريخ الباليستية الإيرانية الصنع القوات الأمريكية على الأراضي العراقية، يتزايد الضغط بسرعة داخل النظام السياسي العراقي لإجبار القوات الأمريكية على الانسحاب من العراق.

ومع ضغط رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني علناً الآن من أجل انسحاب الولايات المتحدة من بلاده، يبقى بعض الأمل في أن يؤدي الوجود العسكري الأمريكي في كردستان العراق إلى دعم العمليات ضد داعش، ومن ضمنها سوريا المجاورة. وقد يفسر هذا سبب قيام وكلاء إيران باستهداف القوات الأمريكية المتمركزة في مطار أربيل الدولي بشكل متكرر في الأسابيع الأخيرة.

مع ذلك، إن نقل التنسيق ضد تنظيم داعش من بغداد إلى أربيل سيؤدي إلى تعقيداته الخاصة، مما يفاقم التوترات بين الأكراد أنفسهم، تحديداً بين حكومة مسعود بارزاني الإقليمية وإدارة قوات سوريا الديموقراطية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في شمال شرق سوريا. قد يؤدي ذلك على الأرجح إلى تدخل تركي غير موات. وبتشجيع من الشعور بالنصر في العراق، سوف تكثف إيران ووكلاؤها في هذا السيناريو بلا شك هجماتهم على القوات الأمريكية في سوريا، سعياً لانسحابهم من هناك أيضاً.



عواقب كارثية


في نهاية المطاف، وضعت الأحداث التي وقعت منذ أكتوبر  الانتشار الأمريكي في شمال شرق سوريا على خيط متهالك، ومن هنا جاءت الدراسة الداخلية الأخيرة للانسحاب من سوريا. وبالنظر إلى العواقب الكارثية المترتبة على الخروج المتسرع من أفغانستان سنة 2021 والانتخابات الأمريكية الوشيكة في وقت لاحق من هذه السنة، من الصعب فهم سبب تفكير إدارة بايدن بالانسحاب من سوريا. بغض النظر عن كيفية إجرائه، سيؤدي الانسحاب إلى الفوضى وزيادة سريعة في التهديدات الإرهابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى