أحمد الراجحي يكتب ..الاستثمار و كفى .. إن كنتم تريدون لهذا الوطن خيرا

  • 5241


تزامن ما يسمى بثورات الربيع العربى مع انتشار تيار يقوم على محاربة الاستثمار الخاص المحلى منه و الاجنبى بالذات ، متلبسا بقناع زائف من شعارات العدالة الاجتماعية و حفظ حقوق الشعوب و ثرواتها  فإن لاحظنا ان قادة الدعاء لها اصحاب الاتجاهات الناصرية و اليسارية فلا عجب اذن إن اكتشفنا ان تلك الشعارات التى تمثل حقا يراد به باطل قد وصلت بدول الربيع العربى لحالة اقتصادية مزرية  لم يكن بوسع اى عقل ان يتخيلها  حتى وصلت حد ان تثقل بعبء ديون خارجية  بمعدلات لم يسبق لها مثيل ، فما من عاقل يضع فى اولوياته التحمل بأعباء ديون تثقل كاهل الدولة بهدف حل ازمة الاحتياطى الاجنبى فى حين انه يملك الحصول على تدفقات مالية اجنبية بلا حدود اذا ما امتلك ارادة تعديل قوانين الاستثمار بما يشجع المستثمرين من كافة انحاء العالم للدخول للسوق الوطنى . فبدلا من التشجيع على طرح ادوات الدين محلية كانت ام اجنبية  كان لزاما التشجيع على الاستثمار المباشر لما له من قدرة على حل العديد من المشكلات التى ترهق الاقتصاد المصرى

إذا رغبنا فى شرح مزايا تشجيع الاستثمار الاجنبى و منح المستثمرين حوافز تدفعهم للدخول للسوق المصرى بإيجاز فنقول ببساطة ان الاستثمار الاجنبى هو تدفق رأس المال للتصدير، والذي يختلف عن تدفق رأس المال للتمويل والإقراض، أو ما يسمى بالاستثمار في حوافظ الأوراق المالية، حيث يشير إلى قيام مستثمر مستقر في البلد الأم بشراء أسهم وسندات صادرة في البلد المستقبل، دون أن يرافق ذلك قيام المستثمر بإدارة الأصول التي امتلك أسهما فيها ،  ومن العجيب ان تطالعنا وسائل الاعلام برغبة حكومية فى طرح بعض الاصول من شركات او بنوك للتداول بالبورصة بهدف جذب مستثمرين اجانب مكتفية ذلك الطرح دون اى خطوات جادة للتشجيع على تدفق استثمارات اجنبية مباشرة فى مشروعات جديدة.

يختلف إذن الاستثمار الأجنبي المباشر عن الاستثمار في الأوراق المالية في أن الأول ينطوي على تملك المستثمر الأجنبي لجزء من الاستثمارات في المشروع المعين أو كلها، هذا فضلا عن قيامه بالمشاركة في إدارة المشروع مع المستثمر الوطني في حالة الاستثمار المشترك، أو انه يفرض سيطرته التامة على الإدارة والتنظيم في حالة ملكيته المطلقة لمشروع الاستثمار، بالإضافة إلى قيام المستثمر الأجنبي بتحويل كمية من الموارد المالية والتكنولوجية والخبرة الفنية في المجالات المختلفة إلى البلدان المضيفة 
و يمثل الاستثمار الأجنبي المباشر إحدى الصور الايجابية الأساسية للعولمة، وللشركات متعددة الجنسية الدور الرئيسى في تدفقاته ،  لذا فله منافع عديدة تنعكس على اقتصادات الدول التي تشهد مثل هذا التدفق الاستثماري و لعل ابرزها :
  سد الفجوة التكنولوجية
حيث تعانى الدول النامية من نقص في المعرفة الفنية والتكنولوجية والمهارات الإدارية والتسويقية، لذلك لجأت بعض الدول النامية لإقامة مشروعات ضخمة ذات مستوى فني متقدم من خلال الشركات الاستثمارية الأجنبية لسد تلك الفجوة فحينما ينفتح بلد معين على الاستثمار الأجنبي المباشر، ويسمح لهذا التدفق الاستثماري من خلال فتح الأبواب للشركات متعددة الجنسية، فانه سوف يحصل على احدث المنجزات التكنولوجية وأكثرها تطورا، بالنظر إلى ما تمتلكه هذه الشركات العملاقة من إمكانيات وقدرات هائلة على صعيد البحث العلمي والتكنولوجي. وبالطبع فان هذا النقل التكنولوجي سيكون مصحوبا بأفضل المهارات التنظيمية والإدارية والفنية فهو أكثر الطرق جدوى في جذب التكنولوجيا وبشكل خاص بالنسبة لبعض أنواع الصناعات مثل التعدين و البترول، هذا بالإضافة إلى تمكين البلد المضيف، بمساعدة الشركات متعددة الجنسيات، من الاستغلال الأمثل للتكنولوجيا.

الأثر الايجابي للاستثمار الأجنبي على ميزان المدفوعات

تعاني البلدان النامية، عموما، من مشكلة المديونية الخارجية، حيث تفاقمت أزمتها خلال العقود الأخيرة، ووصل الحال ببعضها، إنها أصبحت غير قادرة على تسديد فوائد الديون، فضلا عن أصل الديون
لذلك يعتبر الاستثمار الاجنبى المباشر كمصدر للتمويل أفضل من القروض الخارجية خاصة من حيث آثاره على ميزان المدفوعات، حيث أنه يدر عائدا بدلا من زيادة أعباء خدمة الدين التي تمثل في نفس الوقت عبئا على ميزان المدفوعات فبدلا من استمرار هذه البلدان في الحصول على رأس المال التمويلي وبما يفاقم من أزمتها، فان الخيار الآخر المجدي لها هو الاستثمار الأجنبي المباشر بما يعني وجود شركات فرعية في البلدان المذكورة تابعة للشركات الأم، وبما يؤدي إلى إنتاج مشترك بين البلد النامي والشركة الأجنبية يتميز بمواصفات الجودة العالية ووفورات الحجم الكبير، الأمر الذي يفتح أمام البلدان النامية آفاق الوصول إلى الأسواق العالمية لتصريف منتجاتها، بما في ذلك أسواق البلدان المتقدمة، وهذا ما يعد مصدرا للعملات الأجنبية الصعبة التي تكون البلدان النامية بأمس الحاجة إليها في تطبيق برامجها التنموية .

اعادة استثمار الارباح و الدور الاجتماعى فى التنمية

يشكل الحصول على أقصى الأرباح، الهدف الرئيسى الذي تسعى إلى تحقيقه الشركات متعددة الجنسية من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر وعليه فإنها تنشط في هذا المجال من اجل تعظيم العوائد وتقليل التكاليف لبلوغ ذلك الهدف  بما ينعكس على البلدان المضيفة بالمنفعة، وذلك عن طريق إعادة استثمار أو توظيف قسم من هذه الأرباح داخل هذه البلدان، وبما يؤدي إلى تطوير المشروعات التي تقوم بها تلك الشركات الأجنبية، إضافة إلى إسهام ذلك في زيادة تكوين رأس المال على الصعيد المحلي، الأمر الذي يعزز من المقدرة التنافسية للاقتصادات المضيفة وشركاتها الوطنية. ولا يقف الأمر عند الاستثمار المباشر في القطاعات الإنتاجية، إنما يتعداه إلى المسؤلية الاجتماعية  , إذ تساعد الاستثمارات الأجنبية في تحديث وتطوير مشروعات البنية الأساسية من رصف وتمهيد للطرق المؤدية إلى مشروعه وتوصيل ومد شبكات المياه والصرف الصحي ، فضلا عن مشروعات الخدمات كالمساكن والمدارس والمستشفيات، وهذا ما يمكن أن يسهم في ارتفاع معدلات نمو الناتج القومي .

القضاء على البطالة

تعاني الكثير من البلدان من مشكلة البطالة فهى من أعمق المشكلات وأكثرها تعقيدا في البلدان النامية، وبخاصة البلدان التي تعاني من ندرة في رؤوس الأموال الوطنية اللازمة للاستثمار او ما يسمى بسد الفجوة الادخارية لتمويل الاستثمار , حيث تعانى الدول النامية عموما من قصور في معدلات الادخار الناتج عن انخفاض معدلات الدخول، مما يجعلها غير قادرة على تمويل الاستثمارات من خلال مواردها . وعليه يصبح خيار الاستثمار الأجنبي المباشر ضروريا بما يكفل توفير فرص العمل الواسعة، علاوة على الإسهام في تحسين مستوى الأجور , ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فهذا الاستثمار يساعد كثيرا في تنمية وتدريب واستغلال الموارد البشرية في البلدان النامية هذا طبعا، مع الأخذ فى الاعتبار إن مدى المساهمة يتوقف على ما تضعه الدول المضيفة من ضوابط وإجراءات تساعدها في تحقيق تلك المنافع .
سد فجوة النقد الأجنبى
حيث تعانى الدول النامية أيضا من نقص في النقد الأجنبي واللازم للاستيراد بصفة عامة واستيراد مستلزمات الإنتاج بصفة خاصة، والذي تستطيع الحصول عليه من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة فهناك أثرا ايجابيا مباشرا يتركه الاستثمار الأجنبي المباشر على ميزان المدفوعات للبلد المضيف، ناجم عن تدفق رأس المال، والذي يعكسه ميزان العمليات الرأسمالية، كما قد يظهر هذا الأثر الايجابي من خلال المشاريع الاستثمارية الموجهة نحو التصدير .

سد عجز الموازنة
حيث ان حصيلة الضرائب من نشاط المشروعات الأجنبية يمكن أن يساهم فى سد فجوة الإيرادات بشكل مباشر , مع ملاحظة ان تمتع الاستثمارات الاجنبية بإعفاءات ضريبية زمنية او نوعية لا يمنع من تدفق العوائد الضريبية للخزانة العامة نتيجة تبادل النشاط مع الاطراف المتعاملين معه   ( فرقم المصروفات فى قائمة الدخل للمشروع المعفى ضريبيا .. تمثل رقم ايرادات غير معفاه عند الطرف الاخر ) .
كما يساهم الاستثمار الاجنبى المباشر في إيجاد مجموعة من الآثار الايجابية غير المباشرة والمنافع الاجتماعية للدول المضيفة فمثلا يؤدى الاستثمار الاجنبى المباشر إلى زيادة راس المال ، كما يؤدى إلى تخفيض التكلفة لمشروعات محلية نتيجة توفير بعض مستلزمات الإنتاج لها "دفع للأمام أو دفع للخلف" , و إلى توفير السلع الاستهلاكية بمستوى جودة مرتفع وبأسعار أقل نسبيا من مثيلتها المستوردة 
 و يؤدى المستثمر الأجنبي بما لديه من خبرة إعلانية وتسويقية واتصالات مسبقة بالأسواق العالمية إلى توسيع نطاق السوق المحلية وفتح آفاق جديدة أمام المنتجات المحلية و يساهم في زيادة القيمة المضافة ومستويات التشغيل فى الأنشطة الاقتصادية الأخرى المرتبطة بعلاقات تشابك أمامية أو خلفية مع المشروع الأجنبي  .
  تؤدى مشروعات الاستثمار الاجنبى إلى تحسين ظروف العمال من حيث زيادة إنتاجيتهم وتحسين مستوى أجورهم مما يؤدى إلى الحد من ظاهرة هجرة العقول حيث تجد العمالة ذات الكفاءة والخبرة العالية الفرصة للعمل في المشروعات الأجنبية بدلا من الهجرة إلى الخارج .
كذلك تستطيع الدول المضيفة للاستثمار الاجنبى منح المستثمرين حوافز لإعادة استثمار أرباحهم المحققة بدلا من تحويلها إلى الخارج  وهذا الأمر غير وارد في حالة ما إذا كان التدفق الخارجي هو مدفوعات خدمة الدين .

و اخيرا نقول .. لنا فى تجارب سنغافورة و ماليزيا و كورياالجنوبية و دبى خير مثل  فهل نسير بخطى واثقة على درب النجاح ؟ ام سنعيد اختراع العجلة ؟
و للحديث بقيه






 

أحمد الراجحي يكتب ..الاستثمار و كفى .. إن كنتم تريدون لهذا الوطن خيرا